عبد الإله ابن عرفة
أستاذ الجامعات/ مختص في اللسانيات والدلالة
نائب المدير العام لمنظمة الإيسيسكو
عبد الإله ابن عرفة : الرواية العرفانية تُحفّز القارئ على سؤال الذات
الأدب يجب أن يكون أدباً، وليس استنساخاً عن الواقع. هذا ما قاله الأديب المغربي عبد الإله ابن عرفة، موضحا بأن أدبه يحيي ويحفز في القارئ روحية السؤال الوجودي عن الذات الانسانية، ولفت ابن عرفة هنا إلى انه أوجد أدبا خاصا به، يتميز بأنه أدب وجودي.
حروف وجودية
ما أبدعه الأديب المغربي عبد الإله بن عرفة الذي حرص ألا يكون مقلدا للآخر، هو كما قال، أدب وجودي، يحيي في القارئ السؤال حول ذاته ووجوده، ووظف الحرف الوجودي الروحاني التام وليس الحروف التي يعتريها النقص والتبديل.
وعن رواياته التي وصفها النقاد بأنها روايات عرفانية عالمية، قال ابن عرفة: "في العناوين هناك تجاور بين هذه الحروف المفردة والمعلم الجغرافي بوجهة تأملية وتأويلية هادفة، مثل رواية "جبل قاف". فنحن نرى هذا التجاور من جهة ونرى حرفا ومعلما لدخول الصغير في الكبير، والكبير في الصغير، فأمام الجغرافية بسياقها الدلالي المحدد بتوجه خاص ومنحى وتفسير معين.
والتي ترحل بنا إلى عوالم أخرى، انتقلت مع جبل قاف، حول محيي الدين ابن العربي "560-638هـ"هجري، والذي شغل الناس قديما وحديثا، حيث أقيمت العديد من الندوات حول هذه الشخصية التي شغلت كل طالب للحق، وكل باحث عن حقيقة الإنسان، وصدرت هذه الرواية في العام 2002 بعد تجربة روحية خاصة، وشعرت حينها أني لا أكتب بل أنكتب مع هذا الحكيم العرفاني.
ذاكرة التاريخ
لكل رواية من روايات ابن عرفة، تفسير معين، وقال عن روايته "بحر نون":"رحلة بين الزمان والمكان من الأندلس وما كان يتمخض فيها، وحول الأسطورة الأطلسية التي ذكرها أفلاطون في محاورته المشهورة، أعطانا مفاتيح هذه الحضارة البائدة، كما اشتغلت آلاف الكتب على الحضارة الأطلسية.
وتحدثت عن هذه الحضارة انطلاقا الموروث الحضاري الإسلامي، وجعلت مركز هذه الحضارة الأطلسية في الصحراء، والمكان "وادي نون" والذي حكمته حينها ملكة تُدعى نونة عاشت في القرن الرابع قبل الميلاد، ونون هو البحر والمحيط، والرواية اشتغال على حرف النون ورمزية هذه الملكة، مع استحضار شخصيات عدَّة.
أما "بلاد صاد" فهي عن أبي الحسن الششتري، الذي ولد في قرية قرب غرناطة، وكان شاعرا سفَّاراً انطلق بالعلم والفكر والحضارة، وعن التقائه مع الفيلسوف ابن سبعين، ومن خلال الأحداث أظهرت الرواية منعرجا وتغيرا في السلوك، وكشفت خيطا ناظما، وهو الخيط الروحاني".
وأما عن روايته "الحواميم" فقال، ابن عرفة: "إنها قصة الأمة المورسكية المضطهدة، وتعود إلى العام 1492 عندما عاش المسلمون الذين بقوا في غرناطة وشرق الأندلس. أول وأعظم اضطهاد تعرض له شعب، حتى أن اكتشاف أمريكا كان وراءه المسلمون، إذ كان العقاب حينها على كل من يتكلم العربية الشغل بالتجديف بالسفن لمدة ستة أشهر، ومن خلال الرواية ومعالجاتها أطرح العديد من الأسئلة الفلسفية، وهو لماذا تطالب بالاعتذار عن جرائم الماضي عدة شعوب تعرضت للاضطهاد، إلا لكون هذا الماضي حاضرا في الذاكرة".
بين الحقيقة والخيال
وعن شخصياته التاريخية، في أعماله، قال ابن عرفة: "أعمالي مكلفة من حيث الجهد الفكري، والشغل على المخطوطات والمصادر الكبرى، بعد تجميع المادة الخام، أكتب الراوية في مدة محددة، وذلك بحسب انشغالاتي، وقد أكتب بحالة من المماهاة والمساكنة، بعد شعوري بأنني اخترقت الموضوع، ولهذا يمكن الوثوق بالمعلومات المقدمة حول الشخصية التي أتناولها، بل أقدم أحيانا شخصيات جديدة مساعدة".
وتابع:" في ترجمة هذه الشخصيات يحضر الخيال، لكن ينبغي أن نؤكد أنَّ الحس يخدع، ولهذا فرواية (جبل قاف) هي رواية القلب الكلي، و(بحر نون) رواية النفس الكلية، و(بلاد صاد) هي رواية الصورة الكلية مهما اختلفت صورنا. إن خلف الصورة الواحدة تكمن حقيقة الإنسان على حقيقة الصورة. لذا فإن أوسع حضرة لإدراك المطلق هي الخيال الخلاَّق، ولا يُواجه المطلق إلا بالمطلق".
كلام القلوب
لا يعتبر ابن عرفة، رغم حديثه وطرحه الفلسفي، ان أدبه نخبوي بل يتوجه إلى الجميع بحسب استعداد على واحد وتكوينه. وقال حول ذلك: "يبدو أن الكلام العميق يصل إلى جميع القلوب ويخاطب حقيقة الإنسان، وكل واحد يفهم هذه الحقيقة الإنسانية وجوهرها".