top of page
  • Instagram
  • Facebook
  • Youtube
  • ICESCO
Search

الذكاء الاصطناعي في عالم التراث الثقافي: تطبيقات ثورية وتحديات أخلاقية

Writer: Bilel ChebbiBilel Chebbi

Bilel Chebi







د. بلال الشابي


متخصص في إدارة التراث العالمي

خبير في مركز التراث في العالم الإسلامي

منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة




 

ملحوظات

ملخص

 

 

خطة

 

شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا هائلًا في تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي بدأت تلعب دورًا محوريًا في العديد من المجالات، بما في ذلك الحفاظ على التراث الثقافي والفني. هذه التقنيات، التي تشمل التعلم الآلي وتحليل البيانات الضخمة، قد أفضت إلى تحول جذري في كيفية توثيق القطع الأثرية، ترميم الأعمال الفنية، وإعادة بناء النصوص القديمة المفقودة أو التالفة. الذكاء الاصطناعي يتيح الآن فحص التفاصيل الدقيقة للأعمال الفنية التاريخية، وتصحيح العيوب التي قد تتعرض لها المعالم الثقافية عبر الزمن، وتحليل النصوص القديمة بأدوات رقمية مبتكرة تضمن المحافظة على قيمتها التاريخية.


لكن مع هذا التطور المذهل، تظهر العديد من الأسئلة والتحديات الأخلاقية التي تفرض نفسها، مثل كيفية الحفاظ على أصالة العمل الفني وحمايته من التلاعب غير المبرر، وكيفية ضمان أن التقنيات المستخدمة لا تؤدي إلى تفسيرات غير دقيقة أو مبتورة لتاريخنا الثقافي. علاوة على ذلك، يتطلب الأمر اهتمامًا خاصًا بالنظر إلى تأثير هذه التقنيات على القيم الثقافية والاجتماعية، وكيفية توظيفها بشكل مسؤول لضمان حماية الهوية الثقافية. في هذا السياق، يتعين على الباحثين والمهندسين والمختصين في مجال التراث الثقافي العمل جنبًا إلى جنب مع علماء الأخلاقيات لضمان أن هذه التقنيات تتماشى مع المعايير الأخلاقية التي تضمن الحفاظ على التراث الثقافي للأجيال القادمة، بعيدًا عن أي تلاعب أو تحريف يمكن أن يحدث.


تطبيقات الذكاء الاصطناعي في حفظ التراث الثقافي


إن الذكاء الاصطناعي يتيح للمتخصصين في مجال الحفاظ على التراث الثقافي أدوات مبتكرة لمعالجة التحديات التي يواجهونها، من تحسين عملية الترميم إلى رقمنة النصوص القديمة. نستعرض في هذا القسم أبرز التطبيقات التي غيرت من طريقة التعامل مع التراث الثقافي والفني.


ترميم الأعمال الفنية وصيانتها

من أكثر التطبيقات تأثيرًا في هذا المجال هو قدرة الذكاء الاصطناعي على مساعدة المختصين في ترميم الأعمال الفنية. يتم ذلك من خلال تقنيات الرؤية الحاسوبية التي تسمح بتحليل القطع الفنية بدقة عالية. إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتشف الأضرار الدقيقة مثل التآكل والتشققات في اللوحات أو التماثيل، ويقترح حلولًا عملية لإصلاح هذه الأضرار بشكل يحافظ على الشكل الأصلي للقطعة. كما يُمكن نماذج التعلم الآلي من التنبؤ بكيفية تدهور القطعة الفنية في المستقبل بناءً على الظروف البيئية المختلفة، مما يساعد في اتخاذ تدابير وقائية قبل حدوث الضرر.


الترميم الدقيق للمساجد والمآذن

يتميز العمق المعماري في العالم الإسلامي بوجود عناصر فنية معقدة، مثل القباب، المآذن، والزخارف الإسلامية. قد تكون هذه المعالم عرضة للتدهور بسبب التقادم أو الظروف البيئية القاسية. بفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن فحص وتحليل الصور ثلاثية الأبعاد لهذه المعالم بدقة، مما يسهل على المهندسين المعماريين إعادة بناء الأجزاء المتضررة دون التأثير على هويتها الإسلامية الأصلية. هذا لا يقتصر على المعالم الكبيرة فقط، بل يشمل أيضًا المساجد والمكتبات التاريخية التي تحتوي على مخطوطات ثمينة. التقنيات الحديثة تسمح بإعادة إنشاء التفاصيل الدقيقة لهذه المعالم بشكل يضمن الحفاظ على الجمال المعماري الفريد للعالم الإسلامي.


رقمنة التراث الثقافي والنصوص القديمة

يعد حفظ النصوص القديمة أحد التطبيقات الأكثر تأثيرًا للذكاء الاصطناعي في مجال التراث الثقافي. تقنيات مثل معالجة اللغة الطبيعية (NLP) تقوم بترجمة النصوص القديمة المكتوبة بخط اليد أو النصوص المطبوعة إلى صيغة رقمية يمكن قراءتها بسهولة. يساعد ذلك في المحافظة على النصوص النادرة والتاريخية التي قد تتعرض للتلف بمرور الوقت، مما يسهل دراستها من قبل العلماء والباحثين. باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، يمكن أيضًا استعادة الأجزاء المفقودة من هذه النصوص بناءً على الأنماط اللغوية والتاريخية المأخوذة من النصوص المتبقية.


حماية الخط العربي والزخارف الإسلامية

الخط العربي، الذي يعد من أبرز ألوان الفنون الإسلامية، له خصوصية كبيرة في جمالياته وتنوعه. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في رقمنة المخطوطات القديمة وتحليل النصوص العربية المكتوبة، مما يسهل فهمها وحمايتها من التآكل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُستخدم للكشف عن الأساليب الزخرفية الفريدة في الفن الإسلامي، مثل التراكيب الهندسية المعقدة والألوان المستخدمة في تزيين المساجد والمكتبات. من خلال تحليلات متقدمة، يمكن للتقنيات الذكية الحفاظ على جماليات الخطوط والزخارف والتأكد من أنها تبقى سليمة للأجيال القادمة.


التفاعل مع الواقع الافتراضي والمعزز

من التطبيقات الأخرى المدهشة للذكاء الاصطناعي في التراث الثقافي هو دمجه مع تقنيات الواقع الافتراضي (VR) والواقع المعزز (AR). تمكن هذه التقنيات من إنشاء تجارب غامرة للزوار تمكنهم من استكشاف المواقع الثقافية والتاريخية من منازلهم أو في المتاحف. على سبيل المثال، يمكن للسياح استخدام تقنيات الواقع المعزز لزيارة معالم تاريخية وهمية أو استكشاف أعمال فنية محاكاة باستخدام صور ثلاثية الأبعاد عالية الدقة. وهذا النوع من التفاعل يساهم في نشر التراث الثقافي وجعله أكثر وصولاً للأجيال القادمة.


حفظ التراث الموسيقي الإسلامي

الذكاء الاصطناعي يمكنه أيضًا أن يسهم في الحفاظ على التراث الموسيقي الإسلامي، والذي يشمل العديد من الأساليب التقليدية المتنوعة. باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن تحليل وحفظ الأنماط الموسيقية التقليدية التي يتم تداولها شفويًا. يمكن لهذه الأنظمة الذكية المساعدة في توثيق المقامات الموسيقية الإسلامية، بما في ذلك النغمات الفريدة المرتبطة بالثقافات الإسلامية المختلفة، مما يعزز من حفظ هذا التراث للأجيال القادمة. يتضمن ذلك استخدام تقنيات التعرف على الأنماط الموسيقية لتحليل الألحان وتسجيل الأنماط الصوتية الخاصة بالمقامات الموسيقية التقليدية، مما يساعد على الحفاظ على هذه الأشكال الفنية الفريدة في الموسيقى الإسلامية.


التحديات الأخلاقية في استخدام الذكاء الاصطناعي في التراث الثقافي


على الرغم من الفوائد العديدة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على التراث الثقافي، إلا أن هناك مجموعة من التحديات الأخلاقية التي يجب التعامل معها بحذر.


حماية الأصالة والهوية الثقافية

أحد أكبر التحديات التي يواجهها الذكاء الاصطناعي في مجال التراث الثقافي هو الحفاظ على الأصالة والهوية الثقافية. قد تؤدي عملية الترميم المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى تغيير طابع العمل الفني الأصلي، مما يثير التساؤلات حول حدود التدخلات التكنولوجية في التراث. كيف يمكن ضمان أن الترميمات لا تشوّه رؤية الفنان أو لا تغير بشكل غير مبرر أسلوبه؟ هل يمكن الوثوق في أن الذكاء الاصطناعي سيتبع المعايير الأخلاقية الدقيقة خلال عملية الترميم دون التأثير على الأصالة الثقافية؟


الاستقلالية البشرية والمشاركة الثقافية

من القضايا الأخرى المرتبطة بالذكاء الاصطناعي في التراث الثقافي هي مسألة الاستقلالية البشرية. ينبغي أن تظل مشاركة الخبراء البشريين أساسية في كل مرحلة من مراحل حفظ التراث. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداة مساعدة، ولكن يجب أن يكون هناك إشراف بشري مستمر لضمان أن القرارات التي تتخذها الخوارزميات لا تفرط في احترام القيم الثقافية. قد يكون من الضروري وضع معايير دقيقة لتحديد ما إذا كانت التدخلات التكنولوجية تؤثر على جوهر القطعة الفنية.


التحقق من مصداقية البيانات وحمايتها

مشكلة أخرى تتعلق بالذكاء الاصطناعي هي دقة البيانات وصحتها. بما أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على مجموعات البيانات الكبيرة لتدريب الخوارزميات، فإن أي خطأ في هذه البيانات قد يؤدي إلى استنتاجات غير دقيقة. فمثلًا، في حال كانت البيانات المستخدمة في تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي تحتوي على أخطاء تاريخية أو تفسيرات مغلوطة، قد يؤثر ذلك سلبًا على عملية الترميم أو التحليل الفني. علاوة على ذلك، يجب أن تكون البيانات محمية بشكل آمن لضمان عدم تعرض التراث الثقافي للتزوير أو التلاعب من قبل جهات غير مسؤولة.


الأثر البيئي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي

على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يوفر فوائد هائلة في مجال التراث الثقافي، فإنه لا يخلو من تأثيرات بيئية. فعملية تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي تتطلب كميات هائلة من الطاقة الحاسوبية، مما يساهم في زيادة انبعاثات الكربون. في هذا السياق، من المهم أن يتم البحث في كيفية تقليل الآثار البيئية السلبية للذكاء الاصطناعي دون التأثير على فعاليته في الحفظ والترميم.


توجهات المستقبل


من خلال هذه التطبيقات والتحديات، يتضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا لا يتجزأ من مسار حفظ التراث الثقافي. ولضمان استخدامه بشكل أخلاقي وفعال، يجب اتباع مجموعة من المبادئ التوجيهية:

  1. التعاون بين الإنسان والآلة: يجب أن يكون دور الذكاء الاصطناعي مكملًا للبشر في الحفاظ على التراث الثقافي، وليس بديلاً لهم. يجب أن يتم تصميم أدوات الذكاء الاصطناعي بحيث تتيح للخبراء البشر فرصة التدخل والتقييم المستمر.

  2. الأخلاقيات وحماية الهوية الثقافية: ينبغي أن تكون عملية التراث الفني واللغوي مبنية على احترام القيم الثقافية والدينية المحلية. وهذا يتطلب تأطيرًا قانونيًا وأخلاقيًا لضمان عدم انتهاك حقوق المبدعين أو التشويش على الروح الأصلية للقطعة.

  3. دقة البيانات والتوثيق: من الضروري أن يتم استخدام بيانات دقيقة وقائمة على أسس علمية سليمة في تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي، مع ضمان أن هذه البيانات تكون محمية من التلاعب.

  4. استدامة بيئية: يجب تبني ممارسات تكنولوجية مستدامة في استخدام الذكاء الاصطناعي، بحيث يتم تقليل الأثر البيئي الناجم عن تدريب النماذج وصيانتها.


الخلاصة


إن الذكاء الاصطناعي يمثل ثورة حقيقية في مجال الحفاظ على التراث الثقافي والفني، حيث أتاح أدوات وتقنيات مبتكرة لتوثيق، ترميم، وحماية المعالم الثقافية التي تمثل جزءًا من الهوية الإنسانية. من خلال تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل ترميم الأعمال الفنية، رقمنة المخطوطات، وتحليل المعالم المعمارية التاريخية، أصبح بإمكاننا الحفاظ على التراث الثقافي للأجيال القادمة بطرق أكثر دقة وكفاءة.

مع ذلك، لا يمكن تجاهل التحديات الأخلاقية العميقة التي تثيرها هذه التقنيات. من أبرز هذه التحديات الحفاظ على الأصالة والهوية الثقافية أثناء عملية الترميم، حيث قد تؤدي التدخلات التكنولوجية إلى تغييرات غير مرئية تؤثر في جوهر الأعمال الثقافية. كما أن مسألة الاستقلالية البشرية تظل أحد العناصر الأساسية، إذ يجب أن تبقى القرارات المتعلقة بحفظ التراث بيد الخبراء البشريين الذين يمكنهم تقييم تقنيات الذكاء الاصطناعي وضمان توافقها مع القيم الثقافية.

علاوة على ذلك، يواجه الذكاء الاصطناعي تحديات تتعلق بدقة البيانات وحمايتها، حيث قد يؤدي استخدام بيانات غير موثوقة أو مغلوطة إلى تشويه التراث الثقافي. ومن ناحية أخرى، يجب أن نكون على وعي بتأثيرات هذه التقنيات على البيئة، خاصة من حيث الطاقة والموارد المطلوبة لتدريب النماذج.

من خلال تكامل الذكاء الاصطناعي مع الفكر الأخلاقي وتوجيهاته، يمكننا إيجاد توازن بين الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة وبين الحفاظ على أصالة التراث. يجب أن تُشدد الجهود على ضمان استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مكملة للخبرة البشرية، مع ضرورة وضع ضوابط قانونية وأخلاقية تحمي التراث الثقافي من التلاعب أو التشويه. بالتالي، يظل المستقبل أمامنا مفتوحًا لتحقيق نتائج مستدامة تضمن الحفاظ على التراث الثقافي للأجيال المقبلة مع مراعاة بيئتنا وحقوقنا الثقافية.

وفي الختام، سيكون للذكاء الاصطناعي دور محوري في المستقبل في تعزيز قدرة المجتمعات على حماية تراثها الثقافي، ولكن مع مراعاة جوانب التحديات الأخلاقية والتقنية، مما يجعل هذا المجال مثيرًا للنقاش والتطوير المستمر لتحقيق توازن مثالي بين التكنولوجيا والحفاظ على الهوية الثقافية.


 

المراجع


Ciccone, G. (2024). ChatGPT as a digital assistant for archaeology: Insights from the smart anomaly detection assistant development. Heritage, 7(10), 5428-5445. https://doi.org/10.3390/heritage7100256

Foka, A., & Griffin, G. (2024). AI, cultural heritage, and bias: Some key queries that arise from the use of GenAI. Heritage, 7(11), 6125-6136. https://doi.org/10.3390/heritage7110287

Furferi, R. (2025). Deep learning approaches for 3D model generation from 2D artworks to aid blind people with tactile exploration. Heritage, 8(1), 12. https://doi.org/10.3390/heritage8010012

Ge, C. (2024). The review of AI and cultural heritage protection: Taking the whole process of cultural heritage protection as an example. Applied and Computational Engineering, 71, 137-143. https://doi.org/10.54254/2755-2721/71/20241666

Harisanty, D., Obille, K. L. B., Anna, N. E. V., Purwanti, E., & Retrialisca, F. (2024). Cultural heritage preservation in the digital age, harnessing artificial intelligence for the future: A bibliometric analysis. Digital Library Perspectives, 40(4), 609-630. https://doi.org/10.1108/DLP-01-2024-0018

Lee, H.-K., Park, S., & Lee, Y. (2022). A proposal of virtual museum metaverse content for the MZ generation. Digital Creativity, 33(2), 79-95. https://doi.org/10.1080/14626268.2022.2063903

Logan, W., & Wijesuriya, G. (2015). The new heritage studies and education, training, and capacity-building. In A companion to heritage studies (pp. 557-573).

Müller, V. C. (2020). Ethics of artificial intelligence and robotics. In E. N. Zalta (Ed.), The Stanford Encyclopedia of Philosophy (pp. 1–70). The Stanford Encyclopedia of Philosophy. https://plato.stanford.edu/entries/ethics-ai/ (accessed on 28 September 2024)

Todorović, M. (2024). AI and heritage: A discussion on rethinking heritage in a digital world. International Journal of Cultural and Social Studies, 10(1), 1-11

 

bottom of page