محاضرة الأستاذ الدكتور محمد زين العابدين
وزير الشؤون الثقافية للجمهورية التونسية 2016-2020
رئيس قطاع الثقافة و الاتصال بمنظمة الإيسيسكو
31 January 2022, Cairo, EGY
بسم الله الرحمان الرحيم
أصحاب المعالي و السعادة،
السيدات و السادة،
شرف أثيل أن أكون بينكم اليوم لتمثيل منظمة الإيسيسكو وموضوع مؤتمرنا هذا دور المؤسسة الثقافية وسبل دعم الثقافة، مع الشكر الجزيل، لكم مقاما و دولة و أعزاء، على حفاوة الاستقبال و كرم الضيافة.
لعل ما يجدر التنويه به في معرض العلاقة بمبحثنا هذا، هو تحديد ماهية المؤسسة الثقافية بما يعزز الدور الحقيقي الذي تضطلع به الثقافة في التنمية المستدامة وتنمية الموارد في علاقة قائمة مع الفنون والحرف والصناعات التقليدية وصناعة الكتاب والصناعات المرئية والبصرية و الصناعات الثقافية والإبداعية والاقتصاد التضامني والاجتماعي و مؤسسات التراث، وبما يتيح في الآن نفسه تثمين الثقافة في مجمل مجالات الحياة البشرية، لتصبح المؤسسات الثقافية قادرة على إشاعة الوعي المواطني و الإنخرط مباشرة في مبادئ عامة، هي :
مقومات التنمية البشرية،
عناصر الاستثمار الثقافي العمومي والخاص،
المبادرات الثقافية و قدرتها على الرفع من نسب التشغيلية لدى الشباب في مختلف القطاعات مع التقليص من بطالة حاملي الشهادات العليا.
و الواقع أن مراجع هذه السياسات التنموية تكمن في جملة من المواثيق الحاملة لمخاض القرن العشرين و ما تلاه، من إعلان عالمي لحقوق الإنسان 1948 (الفصل عدد 27) بنازعه الثقافي، وتوصيات اليونسكو من خلال إعلان مكسيكو 1982 حول الحقوق الأساسية للإنسان بمدها الثقافي، وإعلان Fribourg 2007 حول الحقوق الثقافية و كذلك 2005 والاتفاقية حول التنوع الثقافي والحقوق والحريات والتنقل والنفاذ إلى الإبداع، إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن أن نذكر بها في سياق القطاعات الإستراتيجية التي نعول عليها و نراهن في تحديد عناصر التنمية البشرية و الاقتصادية الشاملة والمستدامة، المادية و غير المادية، وفقا لتجارب معيارية مقارنة.
و من هذا المنطلق المفاهيمي، يمكن للمؤسسة الثقافية أن تضبط أهدافا إستراتيجية تعمل على تحقيقها. كما أنها الإطار المنهجي الذي تشتغل حوله و من أجله منظمة الإيسيسكو، منظمة العالم الاسلامي للتربية و العلوم و الثقافة، بهدف تأسيس طرحها التربوي و العلمي و الإبداعي الإنساني الشمولي، و تحديد رويتها الجديدة القائمة على عناصر تالية يمكن أن نذكر منها :
ترجمة مبدأ الحق في الثقافة إلى واقع يومي عام وشامل،
بناء ثقافة مواطنية و دمقرطة للحقوق الثقافية التشاركية،
الدفع نحو تكريس لامركزية ثقافية وحوكمة محلية للشأن الثقافي،
مقاربة ثقافية من أجل التنمية والتشغيل مع إطلاق عديد البرامج الوطنية للمبادرة الثقافية والصناعات الإبداعية والتجديد التكنولوجي تروم تنمية الصناعات الثقافية و الإبداعية لجعلها رافدا من روافد الاقتصاد و المال و التنمية الثروات، بصورة مباشرة و غير مباشرة،
دعم البرامج الوطنية لجيل شاب من المستثمرين و المبدعين،
تثمين المؤسسة الثقافية في صلة بالتراث والمواقع والمعالم الأثرية و المتاحف، في علاقة بالتنمية البشرية و الحضارية و الاقتصادية، و ربطها بعموم مؤسسات الوساطة الثقافية،
العمل على إبراز الريادة و القيادة في المجال الثقافي، محليا فجهويا فإقليميا فدوليا.
أصحاب المعالي و السعادة،
السيدات و السادة،
أما في خصوص ربط المؤسسات الثقافية بالفعل التنموي الوطني و الجهوي، فيمكن أن ينسحب على البرامج الوطنية لمدن الفنون و مدن الحضارات و مدن الآداب و الكتاب و المبادرة الثقافية للصناعات الإبداعية والتجديد التكنولوجي والبرامج الوطنية لجيل جديد من المستثمرين والمبدعين الشبان في ميادين الإبداع و الآداب و المكتبات و الفنون و الملتيميديا والتراث. و من جدوى هذه البرامج المواطنية أنها تكرس البعد اللامركزي الاستراتيجي للمؤسسة الثقافية في سعيها الدؤوب أن تؤول إلى أقطاب مبادرة واستقطاب. وفي ذلك كذلك، ربط بين هذه البرامج في صلة بالبيئة الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية لعمل الثقافي، وتأكيد على مبدأ التنوع الثقافي وإبراز لثراء المقومات المجتمعية و الحضارية المتفاعلة في صلة وثيقة مع البيئة الحاضنة للإبداع. كما يمكن أن يرتكز عمل المؤسسة الثقافية على برامج خصوصية تحتضن المواسم الثقافية الاجتماعية و الاقتصادية و منها"موسم الثقافة العمالية" و "موسم الثقافة للجهات الحدودية" و "موسم الثقافة الجزرية" و"موسم ثقافة الجنوب و الصحراء" و "موسم الثقافة الجبلية" و "موسم الثقافة التضامنية" الموجهة إلى كبار السن والمرأة الريفية والأحياء ذات الكثافة السكانية و "تأهيل ملكات الابداع داخل الفضاء السجني" و "موسم الثقافة لذوي الهمم"، بالإضافة إلى برامج القيادة والمساندة و الدبلوماسية والريادة الإقليمية و الاقتصاد الثقافي الاجتماعي والتضامني و الصناعات الثقافية والابداعية و حقوق المؤلف والحقوق المجاورة و حوكمة قطاع الثقافة و الإصلاحات التشريعية و إحداث المؤسسات الكبرى. علاوة على تطوير شبكة المرافق العمومية الجهوية وتأهيل المؤسسات الثقافية و الشراكة بين الوزارات من خلال العمل الحكومي الأفقي و تنمية الإدارة الثقافية الالكترونية
ومن هذا المنطلق، باتت حوكمة التصرف في المؤسسة الثقافية أساسية لإدراجها ضمن منظومات الحوكمة المستدامة للممتلكات والخدمات الثقافية من تعلم وإبداع وإنتاج وتوزيع وترويج ونفاذ ووساطة بما في ذلك المساواة في الأجناس الثقافية، و من هنا:
إقامة علاقة متوازنة بين المؤسسة الثقافية والممتلكات والخدمات في علاقة بالحقوق والكفاءات والأقطاب الجهوية للثقافة والسياسات الأفقية والسياسات البديلة،
إدراج الثقافة في السياسات الإستباقية
اعتماد سياسات ديناميكية مندمجة و شاملةلا تقصي أحدا وشعارها الثقافة التضامنية،
ترجمة مبدأ الحق في الثقافة إلى واقع عام وشامل،
بناء ثقافة مواطنية من خلال التشاركية مع السلطات الجهوية والمحلية والمجتمع المدني،
تكريس اللامركزية الثقافية والحوكمة المحلية في الشأن الثقافي، بالانطلاق في جعل الجهات أقطاب تنمية ومبادرة ثقافية جهوية ومحلية،
اعتماد الاقتصاد الثقافي الرقمي والصناعات الإبداعية الثقافية ودعم حوكمة الإدارة من خلال مفهوم جديد للاقتصاد الثقافي الاجتماعي التضامني الذي يجعل الثقافة رافدا نوعيا يساهم بصورة مباشرة و غير مباشرة في تنمية الموارد والثروات الوطنية للأفراد و الجماعات، في تكامل مع هياكل و وزارات مثل الخارجية والتربية والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية والسياحة والفلاحة والنقل والتعاون الدولي... فالمؤسسة الثقافية مؤسسة أفقية لا يمكن أن يقتصرعملها على وزارة دون سواها،
تثمين التراث والمواقع والمعالم الأثرية في علاقتها بحفظ الذاكرة الوطنية والتنمية المستدامة و يعني ذلك كذلك المؤسسة الثقافية كجزء لا يتجزأ من علاقة التراث بالثقافة.
أصحاب المعالي و السعادة،
السيدات و السادة،
لقد لاحت ضرورة تفعيل المقاربات الجديدة هدفا منشودا من أجل تطوير مؤشرات التنمية الثقافية وتشغيل مئات من الشباب المتخرج من مراحل الثكوين الفني و المهني و العالي، في كل الاختصاصات والتخصصات الفنية والتقنية والرقمية، إضافة الى ضرورة التنسيق والتعاون مع الهياكل المهنية المعنية بتنظيم التظاهرات الثقافية الجهوية و الوطنية والدولية الكبرى التي تنسحب على الفن المعاصر و الشعر و الكوريغرافيا و فن العرائس والخزف الفني و الهندسة المعمارية والكتاب و السينما و المسرح و الإبداع المهجري و الإبداع الصحفي و الموسيقى، باعتبار أن المبادئ الثقافية لا تستثني أحدا و تعني الحقوق العالقة بكل الفنون، دون تمييز ولا تفضيل.
هي مقاربة لإبراز كل الفنون والفنانين مع ضرورة التأكيد على السوق الثقافية من خلال ترشيد المسالك و المرافق المنصهرة فيها، بالنظر الى أن المؤسسات الثقافية تعد عمودا فقريا للسياسات التنموية الكبرى المندمجة و الشاملة التي تنسحب هي الأخرى على مسارح الأوبرا ومتاحف الفن الحديث والمعاصر ومراكز فن العرائس ومراكز الاقتصاد الثقافي الرقمي ومراكز الفنون والثقافة والآداب و المراكز التقديمية للمدن التاريخية ومراكز الإستثمار الثقافي والمراكز الدولية للحضارات ومدارس الفلسفة والفكر والتاريخ والأنثروبولوجيا والسياسات الثقافية.
كل هذه السياقات تعزز مكانة الثقافة والمثقفين والعلم والعلماء لتشمل تطوير شبكة المرافق الثقافية العمومية الجهوية و تعمم دور الثقافة والمكتبات العمومية والمراكز الجهوية للفنون الدرامية والركحية والمعاهد العمومية للموسيقى والرقص و تطور من شبكات دور الثقافة والمكتبات في الجهات الداخلية. إنها لا تستثني في الآن نفسه إسناد المراكز الثقافية الخاصة أو المستقلة ودعمها ماليا لتطوير العمل بها تجسيما لثقافة القرب وثقافة الحي كما يمكن أن يستفيد من هذه الميزانيات مائات المراكز الثقافية الخاصة
و من اهتمام المؤسسات الثقافية تطوير التشريعات وضمان احترام حقوق المؤلف والحقوق المجاورة إضافة الى قيمة دعم القطاعات الفنية والابداعية على غرار المسرح والسينما والفنون التشكيلية والموسيقى والرقص والكتاب والنشر ودعم الورق. و من غائيات عمل هذه المؤسسات دفع الديبلوماسية الثقافية و العمل على الارتقاء بالمشاركات في التظاهرات والملتقيات الدولية لإنها الثروة الحقيقية الثقافية و التراثية، بمكوناتها المادية وغير المادية وبتنوعها، و هي الرافد الأساسي للتنمية المستدامة وطنيا وجهويا ومحليا. حيث يمكن إدماج التنمية التراثية ضمن الخطة الوطنية لتهيئة المجال الترابي بتنمية المواقع الطبيعية والتاريخية الداخلية وجعلها قاطرة للتنمية الجهوية. إذ يعد قطاع التراث مكونا أساسيا بالنظر للعدد الهام من المواقع والمعالم الأثرية من حيث الصيانة والتوثيق والتدوين والتثمين والإدماج من أجل تنمية مستدامة و مشاريع يتم ترسيمها خاصة لفائدة المؤسسات الثقافية ذات البعد التراثي والتنموي (التأمين الذاتي للمواقع الأثرية، تجديد الإرشادات والعلامات التوجيهية، المسالك السياحية، البرنامج الخاص بحماية التراث المادي المتمثّل في ترميم المعالم التاريخية وتحديد المواقع الأثرية ورسمها، تنفيذ برنامج التهيئة المتحفية والعرض المتحفي.
كما يمكن أن نستشرف من خلال هذا المؤتمر أهدافا داعمة لها ودافعة بقاطرة الشعوب، ما فتئت تشتغل من أجلها منظمة الإيسيسكو لفائدة العالم الإسلامي و منها :
مرافقة الدول والتعاون و الشراكة معها لتجديد السياسات العامة بها و العمل على الترفيع في ميزانيات وزارات الثقافة لتبلغ نسبة 1% من الميزانية العامة، و من هنا الرفع من مردودية قطاعات التنمية الشاملة وطنيا وجهويا وتثمين قطاع التراث والآثار،
تنمية موارد الصناديق التي تعنى بتشجيع الإبداع و المبدعين، إضافة إلى توصية باقتطاع نسبة 1% من المعاليم الديوانية و الجمرقية الموظفة على المحامل الإلكترونية والرقمية وآلات النسخ لفائدة المؤسسات التي تعنى بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
مزيد دعم ميزانيات صناديق الضمان الاجتماعي لفائدة المبدعين والمثقفين لضمان كرامتهم وتحسين ظروف عيشهم وتمكينهم من مجابهة الوضعيات الاجتماعية والصحية التي يمرون بها.
إصدار قوانين خصوصية تعنى بالفنان والمهن الفنية وتخصيص موارد إضافية لدعم الحقوق الأدبية والفكرية والفنية للمثقفين والمبدعين.
إقتراح تمويل 1000 مشروع سنويا، للمبادرات الشبابية في كل بلد عضو بمنظمة الإيسيسكو، في نطاق دعم الاستثمار الثقافي في مجالات الاقتصاد الرقمي والصناعات الإبداعية والاقتصاد الثقافي الاجتماعي والتضامني.
مواصلة إصلاح السياسات الثقافية، نحو تفعيل حقيقي للناتج المحلي الإجمالي الثقافي وهوالمغيب تماما في الإحصائيات والدراسات الكمية لسياساتنا التنموية، دفعا بالدورالحقيقي الذي بالإمكان أن تلعبه الثقافة في التنمية المستدامة وتنمية الموارد في علاقة بالفنون والحرف والصناعات التقليدية وصناعة الكتاب والصناعات المرئية والبصرية، الصناعات الثقافية والإبداعية والاقتصاد الثقافي التضامني والاجتماعي. لتصبح المؤسسة الثقافية قادرة على الارتقاء أكثر فأكثربالوعي المواطني لتحتل مكانة قيادية وريادية بين الأفراد و المجتمعات.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته