
أ.د. محمد زين العابدين
وزير الشؤون الثقافية بالجمهورية التونسية 2016-2020
رئيس قطاع الثقافة والاتصال بمنظمة الايسيسكو
المنامة، البحرين، 29 مارس 2021
بسم الله و بالله،
معالي الوزيرة الشيخة مي،
أصحاب المعالي و السعادة،
السيدات و السادة،
أشكر لكم كريم العناية والحضور، كما آمل أن تتم الفائدة مما سيطرح من أفكار و مقترحات بهدف أن تجد السياسات الثقافية ما هي جديرة به حقا من اهتمام وقيادة و ريادة، وأن تشكل أكثر فأكثر أولوية استراتيجية ضمن المنظومات الشاملة من أجل التنمية المستدامة، لما تمثلة من ثروة للإنسان في بعديه الرمزي و المادي.
لعله بات من المؤكد أن نقوم اليوم بتحديد ماهية جديدة للسياسات الشاملة بما يعزز الدور الحقيقي الذي من الواجب أن تضطلع به الثقافة إلى جانب التراث في باب تنمية الموارد، من منطلق أن تقوم السياسات هذه على تثمين المواقع و المعالم و المتاحف والسياحة الثقافية المستدامة وصناعة الكتاب والصناعات المرئية والمشهدية والمؤسسات السمعية و البصرية والفنون والحرف والصناعات التقليدية وفنون التصميم والصناعات الثقافية والإبداعية والاقتصاد الرقمي و الاقتصاد التضامني والاجتماعي، لتصبح المؤسسة الثقافية مستفيدة من السياسات الشاملة و مؤثرة فيها، قادرة على إشاعة الوعي المواطني بها و بأهميتها الفردية و الجماعية.
و من هذا المنطلق، تتنزل جدوى مقاربة شاملة تجمع بين عناصر الثقافة والتراث في صلة مباشرة بالتجديد الرقمي و التربوي و العلمي و البحثي و الذكاء الإبداعي، من خلال تحديد رؤية جديدة قائمة على ترجمة مبدأ الحق في الثقافة إلى واقع يومي عام وشامل، و بناء ثقافة مواطنية وتمكين للحقوق الثقافية التشاركية، والدفع نحو تكريس لامركزية ثقافية وحوكمة محلية للشأن الثقافي، و العمل على جعلها عنصرا فعالا لفائدة اتنمية والتشغيل، بصورة مباشرة وغيرمباشرة، مع دعم البرامج الوطنية لجيل الشباب من المستثمرين والمقاولين والمبدعين، مع إبراز دور المؤسسة الثقافية في صلة بالتنمية البشرية و الحضارية و الاقتصادية، و ربطها بعموم مؤسسات الوساطة الثقافية والتراثية، مع العمل على مزيد الدفع بمجالات الريادة و القيادة في مجال الإبداع الأدبي والفني و التراث، محليا وجهويا، وطنيا وإقليميا و دوليا،
أما محاور العمل الثقافي الاستراتيجي، فيمكن أن تتحدد:
بإقامة علاقة متوازنة بين المؤسسة الثقافية والممتلكات والخدمات في علاقة بالحقوق والكفاءات والقدرات والأقطاب الجهوية والسياسات الأفقية والسياسات البديلة،
إدراج الثقافة و التراث في السياسات الإستباقية،
اعتماد سياسات ديناميكية مندمجة شعارها الثقافة الاجتماعية والتضامنية،
ترجمة مبدأ الحق في الثقافة إلى واقع عام وشامل،
بناء ثقافة مواطنية من خلال التشاركية مع السلطات الجهوية والمحلية والمجتمع المدني،
تكريس اللامركزية الثقافية والحوكمة المحلية في الشأن الثقافي، بجعل الجهات أقطاب تنمية ومبادرة ثقافية جهوية ومحلية،
دمج الثقافة و التراث في مسالك الاقتصاد الثقافي الرقمي من جهة، والصناعات الإبداعية الثقافية من جهة أخرى، والاقتصاد التضامني و الاجتماعي مع الحرص على حوكمة الإدارة، مما يجعل الثقافة رافدا نوعيا يساهم بصورة مباشرة و غير مباشرة في تنمية الموارد والثروات الوطنية للأفراد و الجماعات،
ربط آفاق العمل الأفقي للثقافة و التراث من خلال اتفاقيات تعاون و شراكة قائمة مع الوزارات و المنظمات التي تعنى بالمالية والعلاقات الديبلوماسية والتربية والتعليم العالي والبحث العلمي و التجهيز والاقتصاد و الصناعة و الاستثمار و الشؤون الاجتماعية والسياحة والفلاحة والنقل والتعاون الدولي .. فالمؤسسة الإبداعية والتراثية المادية وغير المادية مؤسسة أفقية لا يمكن أن يقتصرعملها على مرفق عمومي دون سواه،
تثمين التراث والمواقع والمعالم الأثرية و المتاحف و المسالك الثقافية التاريخية و السياحة الثقافية المستدامة، في علاقة بحفظ الذاكرة الوطنية، مع ربطها بآليات الترويج والنشاطات و الخدمات الاقتصادية و الصناعية و الرقمية والتجارية، من منطق الطلب و العرض بما يجعل المؤسسة الإبداعية و المؤسسة التراثية في صلب العمل التنموي الشامل.
معالي الوزيرة الشيخة مي،
أصحاب المعالي و السعادة،
السيدات و السادة،
أما في باب البرامج الدولية للبحوث و الدراسات، فيمكن أن تنطلق من:
دراسات نظرية وتطبيقية بهدف الدفع بالدول نحوسياسات عامة تقر بجدوى الترفيع من ميزانية وزارات الثقافة لتبلغ على الأقل نسبة 1% من الموازنة العامة، بغاية إسناد عملها ومردوديتها،
دراسات حول تنمية موارد الصناديق التي تعنى بتشجيع الإبداع و المبدعين، إضافة إلى توصية باقتطاع نسبة 1% من المعاليم الديوانية و الجمرقية الموظفة على المحامل الإلكترونية والرقمية وآلات النسخ لفائدة المؤسسات التي تعنى بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة،
دراسات متخصصة وموجهة لمزيد دعم ميزانيات صناديق الضمان الاجتماعي لفائدة المبدعين والمثقفين بهدف حفظ كرامتهم وتحسين ظروف عيشهم وتمكينهم من مجابهة الوضعيات الاجتماعية والصحية التي يمرون بها،
دراسات مقارنة حول إصدار قوانين خصوصية تعنى بالفنان والمهن الفنية مع تخصيص موارد إضافية لدعم الحقوق الأدبية والفكرية والفنية للمؤلفين والمثقفين والمبدعين والحقوق المجاورة.
دراسات تطبيقية حول كيفية تمويل أو مرافقة المشاريع الثقافية و آليات دعم المبادرات الشبابية و الشركات الناشئة، في نطاق دعم الاستثمار الثقافي و المبادرة في المجالات المذكورة سابقا،
دراسات تطبيقية تعنى بتفعيل الناتج المحلي الإجمالي الثقافي PIB Culturel وهوالمغيب غالبا في الإحصائيات والدراسات الكمية لسياساتنا التنموية، بما يعزز مكانة القطاع القيادية والريادية بين القطاعات، مع التوجه تدريحيا نحو بلوغ مساهمة بمعدل 3% .
كما يعد البعد الأفقي في مستوى تكامل عمل الوزارات و الهيئات أساسا إستراتيجبا و سندا مركزيا في تحديد المؤشرات الثقافية عامة، و الدفع بمؤشرات الاقتصادات الجديدة للثقافة و الإبداع، و منها الاقتصاد البنفسجي و البرتقالي، و إحكام توظيف مؤشرات التكنولوجيات الثقافية والإبداعية و تعميم الولوج إلى الثقافة و تعميم الحقوق الثقافية ...و من بين هذه الحقوق الثقافية ما تعلق بالتراث الثقافي و التحول الرقمي وتسجيل العناصر الثقافية والتعابير المسرحية والفوتوغرافيا الفنية والمحافطة على الأرشيف والفنون التشكيلية واللآلات الموسيقية التقليدية و رقمنة التراث و النحت على الألواح و حقوق الأطفال الفنية من ذوي الهمم و العلاج بالفنون التقليدية و الفنون عامة، و توفير مكتبات للأطفال وبرامج تعنى بالفن و قيم السلام و العيش المشترك....
السيدات و السادة،
في نهاية هذه المداخلة، وجب التذكير أنه لا يستقيم شأن تنموي شامل في غياب إيلاء حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، وحقوق الملكية الأدبية والفكرية عامة، ما تستحقه من وعي و ترسيخ على أرض الواقع، و ذلك لما تلعبه من صون لكرامة المبدعين و دفاع عن حقوقهم المعنوية و المادية و الاجتماعية، على مختلف رتبهم و اهتماماتهم الفكرية و الفنية والتقنية، علاوة على تأمين مشاركتهم في بناء اقتصاد ثقافي مندمج ومهيكل، تحفط فيه الحقوق والواجبات، من حيث مسالك التوزيع ونصوص التشريع القانوني، تنظيرا وتفعيلا و تمكينا، في احترام التشريعات التي لن تزيد الأفراد و المجتمعات إلا اختراما و اعتبارا و اعترافا بالمكانة و الوجاهة.
أشكركم مجددا على حسن إلاصغاء و الاهتمام.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته