الأستاذ الدكتور مجدي حاج إبراهيم
(بحث مشترك منشور في مجلة التجديد، الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، المجلد 15، العدد 30، 2011م)
ملخص البحث:
يهدف هذا البحث إلى التعريف بتجربة المرأة الملايوية في كتابة القصة القصيرة، ودراسة الأثر الذي تركته على تطور فن القصة الملايوية بصورة خاصة والأدب الملايوي بشكل عام. وتكشف هذه الدراسة بأن القاصة الملايوية تحتل موقعا هاما على خريطة الأدب الملايوي، فهي لا تقل شأنا عن الرجل، حتى أصبح من الاستحالة بمكان أن نتحدث عن تاريخ القصة الملايوية بدون ذكر دور المرأة الريادي فيه. لقد أثبتت القاصة الملايوية قدرتها على الإبداع، والسرد الفني للوقائع والأحداث، واستطاعت أن تعبر عن همومها وآمالها وتطلعاتها بأسلوبها المتميز من خلال تجاربها الشخصية ورؤاها الخاصة. فنالت قصصها استحسان القراء والنقاد على السواء، مما أهلها لحصد العديد من الجوائز التقديرية على مختلف المستويات. وقد عرفت الساحة الأدبية الملايوية أقلاما نسائية كثيرة كان لها كبير الفضل في إثراء المكتبة الأدبية الملايوية. ومن هذا المنطلق، فإن هذه الدراسة ستتناول دراسة أهم الملامح والسمات الاجتماعية التي تميزت بها القصة الملايوية النسوية؛ وذلك من خلال مناقشة أهم الموضوعات والقضايا التي تناولتها القاصة الملايوية، ودراسة مدى انعكاس ذلك على لغتها الروائية ونظرتها للواقع المعيش والمستقبل المأمول.
ABSTRACT
This research paper aims to show Malay woman’s experience in writing short stories and to study the impact that she has left on the development of the art of the Malay Narrative specifically and Malaysian Literature in general. This study also reveals that Malay Narrative occupies an important position on the map of Malaysian Literature; where women are no less significant than men are, so that it is impossible to talk about the history of Malaysian Narratives without mentioning the pioneering role of women. The Malaysian Narrative has proved its ability to be creative and artistic in the narration of facts and events, and in the way they were able to express their concerns, hopes and aspirations they distinguished style through their personal experiences and their own vision. Women’s stories won the admiration of the storyteller and the critic alike, which contributed to it qualifying for numerous honorable awards at various levels. The Malay Literary scene distinguishes the writing of many women who are credited with the enrichment of the Malay Literary corpus. In an effort to enlighten the reader about Muslim nations’ literature, this research paper explores and examines the pioneering role of women in the development of the modern Malay Narrative.
أولا: تمهيد:
لقد شاع الاهتمام في الوقت الراهن بأدب المرأة أو الأدب النسوي، وهو باختصار شديد الأدب الذي تكتبه المرأة. وقد أُفردت دراسات مختلفة تناولت هذا الاتجاه الحديث من الدراسة في كثير من الأقطار العربية والإسلامية. وبالرغم من الجدل والحساسية التي أثارها مصطلح (نسوي) في الأدب إلا أن نتاج المرأة الأدبي لم يتوقف أو يتأثر سلبا، بل نجده يزداد ويتطور، فلا يكاد المتتبع للأعمال القصصية المتأخرة يستطيع التمييز بين قصص المرأة والرجل. لقد استطاعت المرأة أن تحتل مكانة عظيمة في مجال التأليف القصصي أهلتها لأن تنافس الرجل وتفرض نفسها بقوة على الساحة الأدبية. فنتاج المرأة الأدبي العالمي قد أثبت بجلاء قدرتها الفذة على الإبداع ونجاحها في التعبير عن همومها وآمالها وتطلعاتها.
لم يقتصر الإبداع النسوي على قطر معين أو لغة معينة، فلا تكاد تخلو لغة ولا حتى دولة من قلم نسائي استطاع أن يجذب الأنظار نحوه ليبني لنفسه قاعدة جماهيرية عريضة، ويحتل موقعا على الساحة الأدبية يلتف حوله القراء النقاد المعجبون والساخطون على حد سواء. بل وصل الحال في بعض الدول أن احتكرت المرأة التأليف القصصي، ففي الأردن مثلا أجرت جريدة الدستور إحصاء للقصص المنشورة في ملحقها لعام 1990م، فوجدت أن 90% من كتاب القصة القصيرة الجدد كانوا من النساء[i].
وفي ماليزيا، أصبحنا نلمس ظاهرة تزايد الأقلام النسائية على الساحة الأدبية بشكل ملحوظ. فالأدب الملايوي الحديث، برغم حداثة سنه، أصبح اليوم يعج بأعمال أدبية نسوية كثيرة، قصصية وروائية، تشكل ظاهرة تستحق الدراسة والمتابعة. من هنا فإن هذه الدراسة تسعى إلى التعريف بتجربة المرأة الملايوية في التأليف والإبداع القصصي في القرن العشرين بكل ما تحمله من نجاحات وإخفاقات. وسيتطرق البحث أيضا إلى دراسة أثر المرأة وتأثيرها على مسيرة الأدب الملايوي، ودورها الريادي في تطوير فن القصة الملايوية. ومن أجل تلمس ملامح الخطاب الاجتماعي في القصة الملايوية النسوية، فإن البحث سيتناول بعض النماذج القصصية المختارة للتعرف على أهم هذه الملامح التي تميز النتاج الأدبي الفني للقاصة الملايوية.
لكن قبل المضي قدما في بحثنا هذا يجدر بنا أن ننوه إلى أن تخصيص هذه الدراسة بأدب القصة النسوية الملايوية لا يعني بالضرورة الإشادة بتفوق جنس على آخر، أو عزل الإبداع النسوي عن الإبداع الذكوري، وتفضيل أدب المرأة على أدب الرجل، فليس هناك دلالات تفضيلية نقصدها من وراء استخدام مصطلح (الأدب النسوي)، وإنما القصد دراسة أدب المرأة الملايوية بمنهجية صرفة ترمي إلى التخصص الدقيق في البحث والدراسة. وعليه فإننا نؤكد مرة أخرى أن الأدب الحقيقي ليست له جنسية سوى الإبداع، فالرجل والمرأة، كل بطريقته، قد شاركا في تطوير فن القصة. وما كان للقصة أن تتطور وتصل إلى ما وصلت إليه بواسطة الرجل وحده، أو المرأة وحدها، لأن فن القصة من أشد الفنون الأدبية تغيرا وتعددا وتكاثرا، وأساليبه تتنوع كلما اختلفت التجربة، وتغيرت زاوية التركيز من كاتب لآخر. لذلك فإن مما لا شك فيه أن المرأة أضفت وأضافت إلى القصة ألوانا جديدة متميزة من التجارب والرؤى الخاصة التي تعكس شخصيتها وتعبر عن ذاتها، الأمر الذي يؤكد مرة أخرى ضرورة دراسة أدب المرأة على حدة، وفي معزل عن أدب الرجل.
ثانيا: نشأة القصة الملايوية الحديثة وتطورها:
القصة القصيرة فن حديث نسبيا، ارتبط ظهوره بالتغيرات الاجتماعية في أوروبا في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن الماضي. ثم بدأ هذا الفن بالانتقال والانتشار في مختلف أرجاء المعمورة، ونتيجة لظهور الصحف والمجلات الثقافية التي عنيت بالترجمة والتأليف لملء الفراغ الأدبي فيها تعرف العالمان العربي والإسلامي في بداية القرن العشرين على هذا الفن وغيره من الفنون المستحدثة، وتأثر به وتفاعل معه.
بدأ ظهور القصة الملايوية الحديثة في العقد الثاني من القرن الماضي المنصرم، وذلك عندما نشرت مجلة (Pengasuh) في 4 فبراير لعام 1920م قصة (مصير إنسان) (Kecelakaan Pemalas) لنور بن أحمد. ثم ظهرت ثلاث مجلات ثقافية متزامنة سارت على الخطى نفسها في تبني المواهب الأدبية والفنية؛ وهي مجلة (Panduan Guru) عام 1922م، ومجلة (Penyuluh) عام 1924، ومجلة (Guru) عام 1925م. ومن أهم الأسماء التي برزت في تلك الفترة: عبد الرحيم كاجاي، وهارون محمد أمين، وإسحاق الحاج محمد، وبونجوك (Pungguk)، وأبو بكر علي، ومصبحة، ويوسف أرشد. ثم توالى ظهور الصحف والمجلات الثقافية والفنية على مدار القرن الماضي، منها على سبيل المثال لا الحصر: مجلة (Suara Kebajikan)، ومجلة (Penggeli Hati)، ومجلة (Penghiburan)، ومجلة (Pelenggu Perkasihan)، ومجلة (Cerita)، ومجلة (Mastika)، ومجلة (Utusan Zaman)، ومجلة (Warta Jenaka)، ومجلة (Warta Ahad). وقد كان لهذه المنابر الثقافية دور عظيم في تشجيع الجيل الملايوي الجديد على التأليف والإقبال على قراءة القصص، والتفاعل معها. لذلك نجد أن الجيل الأول من الكتاب الملايويين قد نشر معظم نتاجه في صفحات الصحف والمجلات المحلية.
يقسم النقاد الملايويون مسيرة تطور الأدب الملايوي الحديث إلى مرحلتين؛ مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية، ومرحلة ما بعدها. ولا نكاد نجد في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية قصة ملايوية تتسم بالنضج الفني، فالغرض العام من تأليف القصص لم يكن يخرج عن التسلية والترفيه على الرغم من الأهداف الأخلاقية التي كانت تتضمنها. فقد كانت القصص في تلك المرحلة تركز على الفائدة الأخلاقية، حيث كان الكتاب الملايويون التقليديون يهتمون بالقيم الإسلامية ويدعون إلى الأخلاق الفاضلة من خلال معالجة القضايا الأخلاقية والاجتماعية والتعليمية، وكانوا في بعض الأحيان يقدمون ذلك على العناصر الجمالية والفنية[i]. وقد عرّف المفكر والأديب الملايوي الكبير (زأبا) (Za’ba) في عام 1926م القصة القصيرة بأنها "القصة المثالية التي تسعى إلى إيصال رسالة جيدة وأخلاقية، وليست القصة الأسطورية أو الغريبة التي لا يقبلها العقل الحاضر"[ii]. لذلك فقد ظهرت معظم القصص في المرحلة الأولى للأدب الملايوي الحديث وكأنها مواعظ وعبر تتكلم عن المثالية المطلقة وإن حاولت في بعض الأحيان تقديم ذلك بطريقة غير مباشرة. ولعل إقبال كتّاب تلك المرحلة على ترجمة الأعمال الأدبية من الشرق الأوسط قد ساعد على إدخال الصبغة الدينية الإسلامية على النتاج القصصي.[iii] بيد أننا نلمح أن القصة الملايوية، على الرغم من الضعف الفني الذي كانت تعاني منه في مراحلها الأولى، قد استطاعت أن تعبر بشكل أو بآخر عن المشكلات الاجتماعية والحالة النفسية التي كان يعيشها المجتمع في ذلك الوقت.
أما مرحلة النضج الفني للقصة الملايوية فلم تتبلور وتتضح ملامحها إلا بعد الحرب العالمية الثانية، فقد كان للاحتلال الياباني بين عام 1942م – 1945م والتغيرات السياسية التي صاحبته دور بارز في جلب بذور التجديد والنهضة للأدب الملايوي. فبعد الإنسحاب الياباني من الأرخبيل الملايوي حدث نمو سريع في مجال الطباعة والنشر حيث ظهرت أربع وأربعون صحيفة ومجلة فيما بين الأعوام 1945م – 1950م. وقد أدى نمو الطباعة والنشر إلى ظهور عدد كبير من الصحفيين والكتاب، فظهر مجتمع أدبي نشيط كانت له اليد الطولى في تحول الاتجاه الأدبي الملايوي من مرحلة التقليد إلى مرحلة جديدة من النهضة والفكر والتجديد والحداثة القادرة على مواكبة مستجدات العصر الحديث. وقد أدى وجود مثل هذا المجتمع الأدبي إلى ظهور العديد من الهيئات والمنظمات الأدبية التي نشطت بشكل كبير في أوائل الخمسينيات. وقد كانت تلك السنوات سنوات القصة القصيرة والشعر، فلا عجب إذن أن تعد الخمسينيات النقطة الفاصلة لتطور الأدب الملايوي الحديث.[iv]
وقد عزا الناقد عثمان بوتيه تطور فن القصة الملايوية بعد الحرب العالمية الثانية إلى ثلاثة أسباب رئيسة، وهي[v]:
أولا: التطور الكبير الذي شهدته الصحافة الملايوية، فقد كانت الصحف الثقافية والفنية قبل الحرب العالمية الثانية هي وحدها التي كانت تعني بنشر الأعمال الأدبية، وكانت هذه الأعمال تصل فقط إلى الطبقة المثقفة من المجتمع. ولكن بعد الحرب العالمية الثانية أخذت معظم الصحف والمجلات الماليزية على اختلاف توجهاتها واهتماماتها تخصص مساحات للإبداع الأدبي، الأمر الذي ساعد جمهور المجتمع بمختلف طبقاته على التعرف إلى فن القصة والتفاعل معه.
ثانيا: ظهور طبقة مثقفة من الكتّاب والمؤلفين الماليزيين ذوي خلفيات ثقافية متعددة ومتنوعة، فقد أتيحت لمعظم المؤلفين الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية فرصة مواصلة التعليم داخل ماليزيا وخارجها، فاستطاعوا أن يصقلوا مواهبهم بالعلم والاحتكاك بالثقافات العالمية المختلفة. وقد شكلت هذه الطبقة المثقفة اتحادات وهيئات شاركت في لمّ شتات المثقفين الجدد تحت سقف واحد، فظهر على الساحة الأديبة (اتحاد الكتّاب الوطنيين) (PENA) (Persatuan Penulis National)، و(رابطة الأدباء 50) (Asas 50) (Angkatan Sasterawan 50) التي تأسست في سنغافورة عام 1950م، والتي ساهمت بشكل فعال في دفع الحركة الأدبية والثقافية الملايوية، فضلا عن إتاحة الفرصة أمام الكتّاب القدامى والجدد كي للاجتماع وتدارس نتاجهم الإبداعي بمختلف أشكاله.
ثالثا: تنظيم المسابقات الثقافية ذات الجوائز التقديرية القيمة التي استطاعت أن تكتشف كثيرا من المواهب الفنية الراقية، ومن أهم الجهات التي كانت تدعم هذه المسابقات: مجمع اللغة الماليزي (Dewan Bahasa dan Pustaka)، ومجلة (Mastika)، وجريدة (Berita Harian).
لقد ساعدت هذه العوامل الثلاثة على تطور القصة الملايوية حيث نشطت الكتابة القصصية، وزاد الإقبال عليها، وأصبح النتاج القصصي الملايوي يتسم بطابع الجدية، وأخذ الأدباء في البحث عن أشكال قصصية جديدة للارتقاء بمستوى الأدب الملايوي بمختلف أشكاله. وأصبحت ماليزيا اليوم تضم كوكبة من كبار الأدباء والمبدعين، منهم: كريس ماس (Keris Mas)، وعبد الصمد سيد، وأرينا واتي (Arena Wati)، وقاسم أحمد، وشاهنون أحمد الذي قال عنه تون رزاق، رئيس وزراء ماليزيا الثاني، إنه (فكتور هوجو) ماليزيا[vi].
ثالثا: مسيرة القصة الملايوية النسوية:
يصعب تحديد تاريخ ظهور القصة الملايوية النسوية الأولى؛ وذلك لأن بعض الكاتبات الأوائل كن ينشرن قصصهن تحت أسماء مستعارة، ومنهن من لم يستمر في الكتابة طويلا فلا نجد لهن إلا قصة أو قصتين، وهؤلاء لا نكاد نعرف عنهن شيئا اليوم. من المتفق عليه أن الرجل الملايوي بدأ التأليف القصصي قبل المرأة، لأنه سبقها إلى الحياة الحديثة عن طريق الدراسة والسفر والاحتكاك بالعالم الغربي الذي صدّر القصة والرواية الحديثة إلى سائر أرجاء المعمورة. وجدير بالذكر أيضا أن المرأة الملايوية أقبلت على كتابة فن القصة القصيرة قبل الرواية نظرا ليسر إنجاز القصة ذات الشكل الفني القصير، فضلا عن سهولة نشرها في المجلات والصحف اليومية.
تناول الأديب هاشم أوانج في دراسته للقصة الملايوية في مراحلها الأولى الحديث عن الأقلام النسائية الأولى التي كان لها فضل السبق في التأليف القصصي، ونستطيع أن نعد عام 1934م البداية الحقيقية لظهور القاصات الملايويات على الساحة الأدبية، فقد نشرت القاصة حفصة في هذه السنة، قصة (مأساة زواج الإكراه) (Kesediahan Kahwin Paksa)، ثم نشرت القاصة نورمة (Normah) في السنة نفسها قصة (القبض على اللص في وقت العشاء) (Waktu Isyak Menangkap Pencuri).[i]
وإذا نظرنا إلى بدايات القصة الملايوية النسوية من حيث مضامينها وأشكالها الفنية نجد أنها لا تختلف كثيرا عن البدايات الأخرى للقصة في العالم الثالث. فبدايات جميع القصص، سواء أكانت للرجال أم النساء، لم تخل من هنات وضعف تؤخذ على فن القصة. فلم يكن النتاج القصصي الملايوي النسوي في بداياته إلا خليطا من السرد، والترجمة الذاتية، والرسائل المتبادلة، ولم تستطع الكاتبات الأوليات إخفاء شخصياتهن، بل نجدهن يقحمن أنفسهن في كثير من الأحيان لتلقين القارئ المواعظ والعبر. لذلك فقد طغى على الجيل الأول من الكاتبات المنحى التعليمي، وسيطر على القصة الملايوية قبل الحرب العالمية الثانية الفهم الساذج لوحدة الانطباع فضلا عن النهايات الوعظية المفتعلة. وقد كان عنوان القصة في تلك المرحلة كافيا للكشف عن مضمون القصة وحبكتها، بل وحتى نهايتها. وإليك نماذج من هذه القصص التي يمكن أن نشتم محتواها وتفاصيلها من عناوينها: قصة (العلم أغلى من الجواهر) (Ilmu Terlebih Berharga daripada Berlian) لشريفة فاطمة خالد، وقصة (المحامي الهندي) Berloyarkan Keling) لجميلة عمر، وقصة (جزاء المعروف) (Balasan Budi Yang Baik) لملاتي Melati.
أما إذا انتقلنا إلى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فإننا نلمس اختفاء معظم القاصات الأوليات من الساحة الأدبية باستثناء ملاتي التي نشرت في مجلة (Mastika) عام 1947م قصة (الدكتور محمود) (Doktor Mahmud). وقد شهد العقد الأول من هذه الفترة، فترة الخمسينيات، ظهور جيل جديد من الأقلام النسائية بدأ عطاؤه القصصي مع بداية الستينيات، وقد تميز هذا الجيل عما سبقه بتأثره بالتجريب، وباستخدام الأشكال القصصية الحديثة التي شاركت في إعادة بناء القصة الملايوية القصيرة بشكل فني متقدم. ومن بين أشهر الأقلام النسائية التي لمعت في الخمسينيات: رقية أبو بكر، وأنيس صابرين، وسواية حسني، وسلمى مانجا، وزاوية محمد نوح، وزهرة نواوي.
وفي بدايات الستينيات، ظهرت مجموعة من القصص النسوية اتسمت بنضج فني واضح، حيث صاحب هذه الفترة تطور في التعليم، وانفتاح على العالم الغربي، وطموح في النهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فقد تحررت ماليزيا من الاستعمار البريطاني، وبدأ شعبها يفكر في التحرر من التخلف، ويتطلع إلى مستقبل أفضل يسوده الخير والعمران والتقدم. ومن أبرز القاصات اللاتي ظهرن في هذه المرحلة: خديجة هاشم، ويتيمة بابا، وميمون رحمن، وأنيس، وسلمة محسن، وسارة رحيم، وزهرة عريف، وفاطمة بوسو.
أما فترة السبعينيات فقد تميزت بنجاحات اقتصادية ملموسة حيث شهدت البلاد استقرارا سياسيا واقتصاديا، واستبشر الناس مستقبلا يعِد بحدوث تطور اقتصادي أضخم. لذلك فقد زاد النتاج القصصي النسوي في آواخر السبعينيات؛ وذلك حين زاد إقبال المرأة على التعليم في مختلف مستوياته، واخذت المرأة تنخرط في الحياة العامة، وتعمل في شتى المجالات. فالتحمت بالوطن والإنسان، وتناولت قضايا المجتمع بالدراسة والتحليل، لا سيما أن معظم كاتبات ذلك الجيل عملن بالصحافة، بل نجد منهن من تفرغن للصحافة حتى صارت مصدر رزقهن الوحيد. وترى ماجدة حمود أن أهم ما يميز مهنة الصحافة لدى الأدباء أنها تكسب لغتهم مرونة وحيوية مستمدة من الممارسة التي تكاد تكون شبه يومية لهم، مما يجعلهم يقتربون أكثر من هموم الناس، الأمر الذي يساعد بشكل إيجابي على الإبداع الأدبي كمّا وكيفا.[ii] وأهم أديبات هذه الفترة حفصة حسن، وزورينة حسن، وستي زينول إسماعيل، وشفيقة أفندي، ورقية عبد الحميد، ومزنة رئيس، وزنارية وان عبد الرحمن.
جدير بالذكر أن معظم رائدات القصة الملايوية أمثال رقية أبو بكر، وأنيس صابرين، وسلمة محسن، وخديجة هاشم، وأنيس، وغيرهن ينتمين إلى ولاية جوهر في جنوب ماليزيا، وهي أكثر الولايات الماليزية انفتاحا واحتكاكا بالغرب؛ وذلك بسبب موقعها الجغرافي الملاصق لسنغافورة التي كانت مركزا للحركة الأدبية الملايوية، وقد اكتسبت سنغافورة شهرتها ومكانتها بين الولايات الماليزية الأخرى منذ أن اختارها الاستعمار البريطاني مركزا لحكومته.[iii] بيد أننا لا يمكن أن نجحف حق الولايات الماليزية الأخرى، فقد استطاعت هي الأخرى، رغم التخلف الذي كانت تعاني منه والمعيشة القاسية التي كانت تسودها، أن تخرّج لنا قاصات متميزات تركن بصمات واضحة على مسيرة القصة الملايوية الحديثة، مثل فاطمة بوسو ابنة الولاية الشمالية (كلنتن) (Kelantan). ولكن يبقى فضل السبق والصدارة في النتاج الأدبي النسوي في كل من الخمسينيات والستينيات، والسبعينيات أيضا، لولاية جوهر الجنوبية بلا منازع.
ومع حلول الثمانينيات وحتى أواخر التسعينيات امتاز النتاج القصصي الملايوي بالتنوع والزخم والتطور الفني الواضح، فقد دخلت ماليزيا عالم الصناعة، وتحولت من دولة زراعية بدائية إلى دولة صناعية تسير بخطى حثيثة نحو مصاف الدول المتقدمة. وقد صاحب هذه النهضة الصناعية تطور في النتاج الأدبي، فتنوعت مضامين القصة الملايوية وامتدت على أرضية واسعة، وشهدت كتابات المرأة الملايوية تحولا كبيرا من شعرية العواطف إلى الاهتمام بالنوع الأدبي وتطويره واستخدامه للكشف عن دواخل المرأة بدلا من مجرد الاحتجاج على وضع المرأة الهامشي في المجتمع الملايوي. ويمكننا ملاحظة توجه بعض القاصات نحو الرمزية بصورة مكثفة، والابتعاد عن العناوين المألوفة البسيطة التي تعارف عليه جيل الرواد في الخمسينيات وحتى السبعينيات. ومن أبرز الأسماء الأدبية التي ظهرت في هذه الفترة: زهرة إبراهيم، وستي عائشة مراد، ونور بيتي بدر الدين، ووردية عبد الرحمن، وسري دياه (Sri Diah)، وعائشة عمر، وحليلة حاج خالد.
ولا تزال الأقلام الأدبية النسوية الجديدة تظهر بين الفينة والأخرى في الألفية الجديدة، لكننا سنستثنيها من بحثنا هذا، لأنه لم يتبلور لمعظمها حتى الآن شخصية قصصية واضحة، فهي أقلاما شابة يانعة لم تأخذ حظها بعد، ولا تزال في طور التجريب والبحث عن ملامحها القصصية الواضحة.
رابعا: وقفة مع رائدات القصة الملايوية:
عرفت الساحة الأدبية الملايوية عشرات الأقلام النسائية التي ساهمت في تشكيل تاريخ القصة الملايوية الحديثة وصياغته، وقد ذكرنا بعضا منها آنفا في تناولنا للمبحث السابق. ونظرا لوجود هذا الكم الهائل من الأقلام النسوية فإنه لا يسعنا في هذه العجالة القصيرة أن نوفيهن جميعا حقهن من البحث والدراسة. لكننا أيضا لا يمكن أن نمر على كل هذه الأقلام المبدعة مرور الكرام دون أن نتوقف عند بعضها، على أقل تقدير، ولو بقليل من التعريف والشرح. وسنحاول هنا إلقاء الضوء على أشهر القاصات الملايويات وأكثرهن إنتاجا وتأثيرا وتميزا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
نتعرف أولا على القاصة رقية أبو بكر، وهي من مواليد ولاية جوهر عام 1939م. تلقت تعليمها الأولي في مدينة باتو باهات (Batu pahat)، ثم عملت مدرسة. وقد بدأت في نشر قصصها في الصحف والمجلات منذ الخمسينيات. وعلى الرغم من غزارة نتاجها القصصي إلا أنها لم تجمع قصصها في مجموعات قصصية، ولا تزال قصصها متناثرة بين طيات المجلات حتى يومنا هذا. وقد تناولت هذه الكاتبة في قصصها قضايا المرأة الشخصية والمهنية، ومشكلات الشباب والتغيرات التي طرأت على المجتمع الملايوي. ومن أشهر نتاجها قصة (الذنب) (Dosa) المنشورة في جريدة (Berita Harian) في 7 سبتمبر 1961م، والتي استحقت بها جائزة الجريدة التقديرية في سنة 1966م. كما عُرفت رقية أبو بكر بمجموعة من القصص المميزة، منها على سبيل المثال: قصة (شخص من الماضي) (Orang Lama) المنشورة في جريدة (Utusan Zaman) في 29 سبتمبر 1960؛ وقصة (الفتاة التي عادت من بريطانيا) (Gadis Pulang Dari England) المنشورة في الجريدة نفسها في 15 نوفمبر 1960م؛ وقصة (إلى الطريق المظلم) (Ke Lorong Gelap) المنشورة في جريدة (Berita Minggu) في 25 مارس 1962. وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها هذه الكاتبة إلا أنها اعتزلت التأليف القصصي في السبعينيات لأسباب شخصية.[iv]
وفي الحقبة الزمنية نفسها، ظهرت الكاتبة أنيس صابرين، من مواليد ولاية (جوهور) (Johor) عام 1934م، وقد حصلت على البكالوريوس في الآداب من جامعة ملايا بسنغافورة، ثم أكملت دراساتها العليا فحصلت على الماجستير في العلوم السياسية، ثم الدكتوراه في الاقتصاد من كاليفورنيا. وقد بدأت أنيس صابرين التأليف ونشر قصصها في أولى سنوات التحاقها بالجامعة. وفي عام 1966م جمعت قصصها المنشورة في الخمسينيات، وقامت بنشرها في مجموعة قصصية بعنوان (الرياح المتشققة) (Angin Retak) عام 1966م. كما أصدرت في السنة نفسها مجموعة قصصية أخرى مكونة من عشرين قصة جديدة بعنوان (من ظِل إلى آخر) (Dari Bayang ke Bayang). ثم غابت كاتبتنا عن دنيا التأليف في أواخر السبعينيات لأسباب شخضية، لكنها عادت في الثمانينيات أكثر حيوية ونشاطا وهي في أمريكا، فقدمت مجموعة متميزة من النتاج الشعري والقصصي. وتعد أنيس صابرين من أشد الكاتبات حماسة في المطالبة بحقوق المرأة وتحقيق مبدأ المساواة بين المرأة والرجل.[v]
نتوقف عند القاصة صالحة عبد الرشيد التي عرفت باسم سلمى مانجا. ولدت عام 1936م، وبدأت تعليمها في مدرسة دارالمعارف العربية في سنغافورة، ثم التحقت بمدرسة تونغ شاي الإنجليزية. وبعد أن أنهت دراستها عملت معلمة في مدرسة دينية لفترة وجيزة قبل أن تتحول إلى عالم الصحافة، حيث بدأت حياتها الصحفية في مجلة (Kehidupan)، ثم انتقلت إلى جريدة (Semenanjung)، وأخيرا تولت رئاسة تحرير مجلة (Keluarga). وقد سطع نجم سلمى مانجا بقوة في الخمسينيات. وتزوجت في تلك الفترة بالمنتج الماليزي المشهور أحمد سعيد، الذي قدمها إلى مشاهير الفنانين والأدباء في ذلك الوقت. ولكاتبتنا أربع مجموعات قصصية، الأولى مجموعة مشتركة مع بعض الكتّاب بعنوان (الأوراق المتساقطة) (Daun-daun Berguguran) عام 1962؛ والمجموعة الثانية بعنوان (يتيم في أرض الغربة) (Badan Piatu di Rantau Orang) عام 1962؛ ثم أصدرت في عام 1984م مجموعة (هواء) (Hawa)، وفي عام 1985م أصدرت مجموعتها القصصية الأخيرة بعنوان (رياح الجزيرة) (Angin Pulau).[vi]
وفي أواخر الخمسينيات ظهر اسم زهرة نواوي، وهي من مواليد ولاية جوهر عام 1940. وقد درست التصوير الفوتغرافي في طوكيو، وعملت أثناء دراستها مترجمةً ومذيعةً في قسم الإذاعة العالمية لراديو اليابان، وعندما عادت إلى ماليزيا عملت محررة في مجلة (Timang). وقد انشغلت هذه الكاتبة بتأليف كثير من القصائد والقصص والروايات، ومن قصصها المميزة قصة (الغني المتعصب) (Orang Besar Kepala Batu) المنشورة في جريدة (Mingguan Malaysia) في أكتوبر 1965م؛ وقصة (هذه طبيعة نينا) (Tabiat Nina Memang Begitu) المنشورة في الجريدة نفسها عام 1967؛ وقصة (شاهد لم يشاهد شيئا) (Tahu Yang Tidak Tahu) المنشورة في مجلة (Mastika) في يوليو 1968م. وقد جمعت زهرة نواوي قصصها القصيرة في مجموعتين، الأولى بعنوان (النساء) (Wanita) عام 1963م؛ والأخرى بعنوان (الهدية) (Hadiah) عام 1973م.[vii]
وفي الستينيات سطع نجم الكاتبة خديجة هاشم، وهي من مواليد ولاية جوهر عام 1945م. وقد تلقت تعليمها الأولي في مدينة باتو باهت، ثم عملت بالتعليم والصحافة. وتعد خديجة هاشم من أكثر الكاتبات الماليزيات إنتاجا، فلها العديد من القصص والروايات والمسرحيات. ولعل اشتغالها بالتعليم قد أثر في قصصها الأولى التي كانت كثيرا ما تحمل بين طياتها صبغة الوعظ والإرشاد الديني. بيد أن اشتغالها بالصحافة ودخولها دنيا جديدة من الكتابة ساعدها على التحرر من أسلوبها القديم، فتفتحت آفاقها على أنماط جديدة من التأليف القصصي، فكانت قصصها الأخيرة أكثر نضجا وحرفة.[viii] وقد قدمت جريدة (Berita Mingguan) أولى قصصها في إبريل 1969 بعنوان (موت القوادة) (Matinya Si Ibu Ayam)، ثم توالى نشر قصصها في جرائد مختلفة. وقد حصدت خديجة هاشم عديدا من الجوائز التقديرية من الحكومة الماليزية على نتاجها الأدبي المتميز، منها: قصة (أين ذهب الحب؟) (Kasih Entah Ke Mana) عام 1971م، وقصة (عندما تغضب الدجاجة) (Bila Ayam mogok) عام 1974. وفي عام 1975م نالت ثلاث جوائز على ثلاث قصص هي: (الأشرعة الممزقة) (Layang-layang Putus Tali)، (قصة الوردة الحمراء) (Mawar Merah Di Jambang)، (حظوظ الناس) (Tuah Orang).[ix]
ونتعرف أيضا في هذه المرحلة إلى الكاتبة سارة رحيم، وهي من مواليد ولاية جوهر أيضا عام 1947م. وقد تلقت تعليمها الأولي في مدينة موار (Muar). وقد اشتهرت بتأليف العديد من الدراما الإذاعية. وقد نالت قصتها (قصة وذكرى) (Kisah dan Kenangan) المنشورة في مجلة (Mastika) جوائز تقديرية. وقد قامت بجمع قصصها المنشورة بين 1962م-1966م في مجموعة قصصية بعنوان (قلق) (Gelisah)، وقد فازت هذه المجموعة القصصية بالجائزة الأولى لمسابقة كتابة القصة القصيرة بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس إذاعة وتلفزيون سنغافورة.[x]
ومن كاتبات هذه المرحلة أيضا القاصة تيمة بابا، من مواليد ولاية ملاكا عام 1947م. أكملت دراستها الأولى في ولاية ملاكا، ثم عملت معلمة في ولاية باهانج (Pahang)، ثم عادت إلى ولايتها، وأخيرا استقر بها الحال في ولاية سلانجور (Selangor). عُرفت تيمة بابا عام 1966م من خلال قصتها (الهزيمة) (Tumpas) المنشورة في جريدة (Berita Mingguan). وقد قامت عام 1981م بجمع كل قصصها في مجموعة قصصية بعنوان (مكتوب على عينها) (Matanya Masih Di Pintu).[xi]
نتوقف في السبعينيات عند الكاتبة فاطمة بوسو، من مواليد ولاية كلنتن، التي انخرطت في سلك التعليم في أول حياتها في إحدى المدارس قبل أن تلتحق بجامعة العلوم الماليزية لمواصلة دراساتها العليا، لتصبح فيما بعد محاضرة في الجامعة نفسها. ويتميز نتاج فاطمة بوسو الأدبي بالتنويع والتجديد، كما يظهر بوضوح تأثرها الشديد بالأدب الغربي. وقد تحدثت بجرأة عن تجاربها الشخصية في قصة (أولاد قرية باسير) (Anak-anak dari Kampung Pasir) المنشورة في مجلة (Dewan Bahasa) في عام 1975م، وقصة (بطلة بدون بطل) (Heroin Tanpa Hero) المنشورة في المجلة نفسها عام 1976م. وقد استحقت جائزة الأدب الماليزي على إبداعها المتميز، كما حصدت جوائز عديدة على قصصها المنشورة، منها: قصة (الوردة التي لم تذبل) (Mawar Yang Belum Gugur) عام 1971م، وقصة (القدر المدلوق) (Nasinya Tumpah) عام 1982م. وقد جمعت قصصها المنشورة في ثلاث مجموعات قصصية، هي: (الأرض الخضراء) (Lambaian Tanah Hijau)، و(الخالد) (Yang Abadi)، و(الإسراء) (A-Isra).
خامسا: تأملات في ملامح الخطاب الاجتماعي في القصة الملايوية النسوية:
سيتناول البحث هنا دراسة أهم الملامح والسمات الاجتماعية التي تميزت بها القصة الملايوية النسوية؛ وذلك من خلال مناقشة أهم الموضوعات والقضايا التي تناولتها القاصة الملايوية، ودراسة مدى انعكاس ذلك على لغتها الروائية ونظرتها للواقع المعيش والمستقبل المأمول.
سبق أن أشرنا إلى أن النهضة الملايوية الفكرية والعلمية بدأت أول ما بدأت في خمسينيات القرن الماضي بعد رحيل المستعمر الياباني، ثم البريطاني من بعده، حيث حمل المجتمع الملايوي - بكل شرائحه رجالا ونساء – على كاهله مسؤوليات النهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ونظرا لأهمية دور الأدب في بناء المجتمع والنهوض به، شاركت القاصة الملايوية في بناء الحركة الإنسانية للمجتمع الماليزي والدعوة للأخذ بمقومات الحضارة الحديثة. وفي سبيل تحقيق ذلك، تعرضت القاصة الملايوية إلى الكشف عن المشكلات والأمراض الاجتماعية التي كانت تحيط بالمجتمع الماليزي إيمانا منها بأن النهضة الحضارية والفكرية تقتضي صلاح المجتمع في المقام الأول. وقد قامت انطلاقا من نظرتها ورؤيتها الخاصة بتصوير هذه المشكلات والأمراض في مواقف مختلفة ومن زوايا متعددة للتعرف إلى حركة المجتمع التحتية من أجل الوصول إلى مكامن الداء فيه. كما تعرضت القاصة الملايوية في قصصها أيضا إلى قضايا المرأة الخاصة، فطالبت بحقوقها ونادت برفع القهر والظلم عنها، ومواجهة المجتمع الذكوري الذي ينكر على المرأة حقوقها في المساواة والإبداع والتعبير.
لقد نجحت القاصة الملايوية في ترجمة رغباتها المكبوتة وأحلامها وطموحاتها بأسلوب فني بديع ارتقى بمستوى أحلام المرأة العادية إلى مستوى إنساني رفيع. فهي في تناول قضايا مجتمعها وهمومه لم تغفل الجانب الفني في التقديم الروائي، وقد ظهرت الملامح الجمالية والفنية بوضوح في رسم الشخصيات في مختلف أبعادها، ووصف البيئة وتوضيح سماتها المادية والمعنوية. ونضرب مثلا للوصف القصصي لدى القاصات الملايويات في قصة (الغابة المكتظة والجبل) (Belukar, kebun dan Bukit) للقاصة سيتي زاينون إسماعيل، حيث تناولت الآثار السلبية للتطور التكنولوجي والصناعي للمدنية الحديثة على البيئة والطبيعة. وقد عاتبت أفراد المجتمع الريفي الذين تنكروا لأصلهم وفصلهم، وتركوا أراضيهم الزراعية وهاجروا إلى المدينة. وقد أجادت في وصف الخراب الذي جرته آلات المدنية الحديثة على القرى، وإليك مقطع من هذا الوصف القصصي:
“Hampir membelukarkan segalanya. Di mana-mana lalang meruncing. Alur sungai seperti tidak kedengaran lagi. Tiba-tiba ada gerak yang menunda langkahku perlahan, kumasuki kembali ke lorong kebun itu. Menemui serpihan-serpihan sisa peralatan, bahan-bahan dari rumah. Ada jalur dinding, pintu terkopak. Kepala tangga tersandar di sisian busut. Tempayan dengan ukiran naga tergolek – di dalamnya penuh takungan air dirayapi jentik-jentik dan seekor katak melumpat terkejut bila kukuis bibir tempayan tersebut”.[xii]
"لقد أغرقت الأعشاب الطويلة الأرض، فأصبحت تشبه الغابة. وانقطع صوت ماء النهر الجاري فلم يعد يسمع الآن. أحسست بشيء يدفعني للمرور في ممر ضيق صغير، مشيت فيه حتى وصلت إلى هيكل خشبي مكسور. إنه هيكل بيتي القديم، وبقايا أثاث مبعثرة. لقد امتلأ المكان بالأخشاب المكسورة.. شباك مكسور، وباب مكسور، وسلالم البيت تمددت على الأرض. والقلة الكبيرة المزخرفة انكفأت على الأرض، وامتلأ حشوها بماء راكد استوطنت فيه المكروبات والحشرات. قفز ضفدع صغير من تحت القلة عندما ركلتها بقدمي. تحول البيت إلى مأوى للضفادع والنواميس والحشرات".
بيد أن البحث هنا لن يركز على عرض الجوانب الفنية للنتاج القصصي الملايوي النسوي بصورة مباشرة، كما أنه في الوقت نفسه لن يغفلها نهائيا، بل سيتطرق إليها بصورة غير مباشرة أثناء عرض الملامح والسمات التي تميزت بها القصة الملايوية النسوية فضلا عما تناولته من القضايا والموضوعات التي تكشف عن اهتمامات القاصة الملايوية وميولها واتجاهاتها.
1- تصوير القهر والاضهاد الموروث في التقاليد والعادات الاجتماعية:
على الرغم من النهضة الفكرية التي شهدتها ماليزيا في مطلع الخمسينيات؛ لم يستطع المجتمع الملايوي أن يتخل عن رواسب العادات والتقاليد الاجتماعية الخاطئة الموروثة التي كانت تنظر إلى المرأة نظرة دونية من حيث تبعيتها الكاملة للرجل، وكونها ناقصة عقل ودين، مخلوقة من ضلع أعوج. فلم يكن المجتمع الملايوي بدعا عن غيره من مجتمعات العالم الثالث البدائية الذكورية التي فرضت كثيرا من التقاليد والعادات المجحفة على المرأة لتقييد حريتها ومنعها حتى من اتخاذ أبسط القرارات، ناهيك عن تحديد القرارات المصيرية. يقول (ميشيل روسلدو) (الإنتروبولوجي) في هذا الصدد: "إن اختصاص المرأة بمسؤوليات البيت ورعاية الأبناء واختصاص الرجل بالمسؤوليات الخارجية المتمثلة في إعالة البيت هي حالة واحدة في كل المجتمعات شرقية كانت أم غربية"[i].
ولعل انشغال الأديب الملايوي في فترة الخمسينيات بالكتابة عن القضايا القومية والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية جعل الكاتبات الملايويات يحملن على عواتقهن مسؤولية الدفاع عن حقوق المرأة، لا سيما وقد غلب على أدب الرجال تصوير المرأة على أنها آلة جنسية فحسب.
وبناء على ذلك، سيطر على القصص النسوية في الخمسينيات والستينيات تصوير حالة الضعف والهوان والقهر والاضهاد التي عانت منها المرأة الملايوية عبر قرون طويلة من الزمن، ففي قصة (بوجاي)[ii] (Pugai) للكاتبة ستي زينول إسماعيل نرى صورة التخلف في المجتمعات الريفية المحافظة التي تمنع خروج المرأة من بيتها، وترى في خروجها وانفتاحها على العالم الخارجي وصمة عار لأسرتها. وتتعلل هذه المجتمعات المحافطة بأن المرأة ضعيفة لا تقوى على تحمل المشكلات والمحن لوحدها خارج البيت، إضافة إلى أن خروجها سيفتح لها ولغيرها باب الفتنة على مصراعيه.
وتصور أديبة أمين نظرة المجتمع الذكوري المجحفة للمرأة التي تخرج لمجابهة الحياة، وذلك عندما نتغلغل في أعماق شخصية الرجل (دوني) (Doni) بطل قصة (السير في طريق مجهول)[iii] (Melangkah Di Jalan Sepi)، فهو يرى أن المرأة ليست إلا لعبة وتسلية مؤقتة، فالمرأة في نظره نوعان؛ الشقية المرحة التي تصلح للمصاحبة في الحفلات والمناسبات الخاصة، والمؤدبة التي تحافظ على نفسها وكرامتها، وكلاهما لا يصلحان للزواج، فالأولى لعوب والأخرى مملة.
وتناقش سورياتي غزالي في الجزء الثاني من قصة (الفتاة بايو)[iv] (Gadis Bayu II) قضية إكراه الفتيات على الزواج، فالبطلة (بايو) (Bayu) تفاجأ بأنها ستتزوج رجلا لا تعرفه، وأن مراسيم حفل الزواج قد أعدت دون استشارتها. وقد تناولت الكاتبة الموروث السائد لدى بعض المجتمعات الريفية التي ترى أن المرأة لا تملك حق القبول والرفض في الزواج لأنها قاصر وعقلها ناقص لا يملك القدرة على الاختيار الصحيح.
وتصور خديجة هاشم في قصة (صياد الغزلان)[v] (Pelanduk Dijerat Rusa Terkena) قدرة المرأة على تحمل أقسى أنواع الاضهاد، وهو إهانات الزوج المستمرة، فالزوج (هاشم)، الذي كانت (روحانا) (Rohana) تأمل منه العطف والحنان وترجو منه الرحمة والإحسان، يظل طوال القصة وحتى قبل نهايتها يهينها ويصب عليها سيولا من الشتائم القاذعة اللاذعة في غدوه ورواحه:
“Wah… bukan maun senang lagi awak bercakap, Rohana. Tak tahu mencari lima sen pun nak cakap banyak.”
"ماذا؟ تعلمتِ الكلام، وأصبحت تتكلمين الآن يا روحانا! تتكلمين وأنت لا تستطيعين البحث عن خمسة سنتات (قروش)!!"
لقد استسلمت روحانا لفكرة أنها ستموت من الجوع لو تركها زوجها لأنها أمية وغير متعلمة، لا سند لها ولا عضد، ولم يبق لها في دنياها غير زوجها الذي تعتمد عليه في كل صغيرة وكبيرة، فهو مصدر رزقها الأول والأخير. لذلك فقد تجرعت مرارة الذل والهوان، وعودت نفسها على تحمل إهانات زوجها وقسوته عليها، وكانت تختفي في ركن بيتها كلما طفح بها الكيل لتترك لدموعها وصرخاتها أمر تخفيف آلامها وأحزانها.
وتنقلنا خديجة هاشم مرة أخرى في قصة (قصة الوردة الحمراء)[vi] (Mawar Merah Di Jambang)، إلى صورة أخرى من صور اضطهاد المجتمع الذكوري للمرأة، فالأم تحرم ابنتها (سوي بينغ) (Siew Ping) من حقها في التعليم، وتمنعها من الذهاب إلى المدرسة لأنها ترى أن المرأة مهما تعلمت وتثقفت فإن مصيرها في نهاية الأمر خادمة في بيت زوجها، ولا تجد البنت بدا من الرضوخ والنزول عند رغبة أمها، فتكتفي ببيع الورود على قارعة الطريق حتى يأتي عدلها.
لقد ظهرت المرأة في هذه القصص إنسانة سلبية مقهورة، مغلوبة على أمرها، وعلينا ألا نفاجأ من المبالغات المفرطة التي اعترضت وصف حالات القهر والاضطهاد في سرد الأحداث، فالضعف والهوان والسلبية المطبوعة في نفوس بطلات هذه القصص لم تكن إلا نتيجة طبيعية للتخلف الاجتماعي والانقياد الأعمى وراء الموروثات الخاطئة الهدامة التي عطلت تقدم المرأة، وزرعت فيها الإحساس بالخوف وعدم الثقة بالنفس، والحاجة إلى الاتكال على الآخرين. لذلك فلا عجب أن ترضخ (سوي بينغ) لمطالب أمها وتفوت على نفسها فرصة التعليم، وترضى أن تكتم مشاعرها وأحاسيسها نحو حبيبها حتى لا تغضب أمها.
وتشير زهرة نواوي في قصة (الوِحدة) (Sunyi) إلى قضية تهميش المجتمع المدني آنذاك دور المرأة في الحياة السياسية والعلمية والفكرية، فشخصية (أكو) (Aku) لا تنفك تحتج على أعراف المجتمع الذكوري الذي يرفض دخول المرأة معترك الحياة السياسية، ناهيك عن توليها المناصب الكبرى الحساسة، ودائما ما تقحم القضايا السياسية في حديثها، فهي تتساءل:
“Kau tahu, masih ada kelab-kelab yang tidak memberi hak mengundi pada ahli-ahli wanita di sini?’ aku bertanya”
"سألته: هل تعرف أن بعض النوادي لا تزال ترفض حق المرأة في المشاركة في الانتخابات؟"
وتتزايد نبرة السخرية لديها عندما دار نقاش حول واقع المجتمع آنذاك الذي لا يشجع ولا يرحب بنتاج المرأة الأدبي والفكري:
“Kalau kau mempejuangkannya melalui tulisan sastera, berapa orang yang membacanya, dan berapa pula yang mengerti’ Tanyanya keras”.[vii]
"وحتى إذا أردتِ أن تحوّلي كفاحكِ إلى الكتابة والإبداع الأدبي، فمن سيقرأ لكِ، ومن يستطيع فهمكِ؟".
لقد سلبت العادات والتقاليد الاجتماعية حق المرأة في تحديد مصيرها، فأصبح لزاما عليها أن تقدم التضحية، وتتحمل تبعاتها، وتقاسي الألم وحدها. وهذا لون آخر من التضحية السلبية التي يتحمل المجتمع وزرها في قصة (بين قلبين)[viii] (Antara Dua Hati) لحفصة حسن، وذلك عندما ترضى (أه لان) (Ah Lan) أن تضحي بعواطفها، وتقبل الزواج غير فتى أحلامها من أجل إسعاد أبويها وإخوتها السبعة.
2- دعوة المرأة للتعليم والعمل والاعتماد على النفس ومواجهة التحديات:
توالى احتجاج الكاتبات الملايويات على الظلم والقهر الاجتماعي الذي نغص على المرأة حياتها، وطالبن برد الاعتبار للمرأة واحترام استقلاليتها وكرامتها. وكانت الطريقة المثلى لرفع الظلم والقهر عن المرأة، وتغيير نظرة المجتمع الذكوري المتسلط نحوها أن تخرج المرأة لطلب العلم وبناء شخصيتها، فتثبت وجودها، وتدافع عن نفسها، وتعمل مع الرجل جنبا إلى جنب في عمارة البلاد ورقيها. لذلك عندما أدركت البطلة (روبيا) (Robia)، في قصة (سري بادما) (Seri Padma) للقاصة ستي زينول إسماعيل، أهمية تعليم المرأة بعد أن فوتت على نفسها فرصة التحصيل الدراسي، عوضت فشلها بأن ضحت بشبابها وصحتها ومستقبلها من أجل أختها الصغرى، فكانت لا تفتأ تشجع أختها وتحثها على الاجتهاد والمثابرة، والتركيز على التحصيل الدراسي لتنجح في حياتها وتحقق ما فشلت هي في تحقيقه. وكانت دوما تذكر أختها بأن دور المرأة الماليزية في السبعينيات أكبر بكثير من مجرد إعداد القهوة والحلويات.[i]
وفي قصة أخرى للكاتبة نفسها (ريح الجزيرة)[ii] (Angin Pulau)، تقرر البطلة (إن) (Inn) أن تترك البيت لتكوين نفسها وتحقيق أحلامها كما تفعل الفتيات في الغرب، ويكتب لها في آخر القصة النجاح على الرغم من الجو المشحون بالممنوعات والمحظورات الاجتماعية المختلفة، وينتهي بها الحال أن تحقق لنفسها منصبا محترما وشهرة باهرة في عالم رجال الأعمال.
ونلمح هذا التوجه أيضا في قصة (قلب قلق) (Hatinya Kusut)، حيث نقرأ عن فتاة عانت كثيرا من سوء معاملة أهلها والمجتمع، إذ كان لزاما عليها أن تصمت وتطيع، فلا تُسمع لها حركة، ولا يهمس لها صوت. وكانت تنفس عن غيظها وحنقها بصرخاتها الداخلية. وفي ضوء الكبت النفسي التي ألجم طموحات البطلة وأحلامها، طغى على القصة طابع المناجاة الذاتية أو الحوار الداخلي الذي يجريه الإنسان مع نفسه، فنجد البطلة تناجي نفسها وتصرخ:
“Aku mahu bising… aku mahu hidup… aku tidak mahu tua sebelum masanya”.
"أريد أن أصرخ.. أريد أن أعيش.. لن أسمح لنفسي أن أشيخ قبل الأوان."
وينتهي بها الحوار الداخلي أن تقرر إعلان ثورتها على واقعها المرير، والحرب على العادات والتقاليد الفاسدة، فتتخذ قرارا بأن تخرج للعمل لإثبات ذاتها وتحقيق شخصيتها لتفرض احترام المجتمع لها، وقد اتخذت في كفاحها شعار: (الأحلام الصغيرة تحقق النجاحات الباهرة):
“Kalau mahu mencapai bintang, harus berani mencipta hidup. Bikin ketetapan, dari segumpal mimpi, ukir kegmilangan, padu, padat dan nyata”.[iii]
"من يرمي الوصول إلى النجوم تلزمه الشجاعة. خذ قرارك، فمن الأحلام الصغيرة تتحقق النجاحات الباهرة"
وتؤكد زهرة نواوي أهمية دور المرأة في مجال التربية والتعليم، فنقرأ في قصة (المعلمة)[iv] عن الجهد الحثيث والتضحيات التي قدمتها المرأة من أجل تخريج جيل صالح قادر على البناء والعطاء. وقد استطاعت المعلمة بحسها العالي، وعطفها وحنانها، والأمومة الكامنة في أعماقها أن تؤثر على التلاميذ، وتزرع في نفوسهم حب العلم، فنراها تعمل على تنمية مواهبهم وتحقيق طموحاتهم. وكانت النتيجة أن بذل التلاميذ قصارى جهدهم، وحققوا نجاحا باهرا في دراساتهم وحياتهم.
حاولت تيمة بابا في قصة (آخر الطريق)[v] (Jalan Hujung) أن تجسد صورة المرأة الملايوية العصرية التي تؤمن بضرورة مشاركة المرأة في العمل الميداني، حيث نرى (ستي علوية) تصر على العمل بعد الزواج، رغم اعتراض خطيبها القادر على التكفل بجميع مصاريف البيت. فتدخل معه في نقاش حاد يتحول مع عنادها وإصرارها إلى خلاف وخصام. وأخيرا لا تتردد عندما يحتدم الجدال بينهما ويصل بهما إلى طريق مسدود أن تنسحب، وتخسر الرجل الوحيد الذي لم تحب غيره في حياتها، كل هذه التضحيات من أجل إثبات ذاتها وتحقيق أحلامها.
لكن على الرغم من المطالب الملحة التي ما فتأت تدعو إلى تحرير المرأة واستقلاليتها، فقد ظلت الصورة السلبية الموروثة عن المرأة الملايوية المتمثلة في الضعف والاستسلام للظروف وعدم القدرة على التحكم في المشاعر والعواطف تسيطر على أغلب القصص الملايوية الأولى سواء أكانت لكتاب ملايويين أم لكاتبات ملايويات. فالمرأة العاملة على ما كان يبدو في قصص الستينيات والسبعينيات كانت لا تزال تشكو من نظرة المجتمع لها الممتلئة بالشك والريبة، خاصة أن الرجل هو من كان يسيطر على معظم الأعمال في ذلك الوقت، وقد جعل هذا الواقع المفروض المرأة معرضةً على الدوام للوقوع في محن وفتن لا أول لها ولا آخر، وقلما كانت تنجو منها. ففي قصة (سورينة والقرطاسية)[vi] (Surinah – Kedai Pustaka) لزاوية محمد نوح، نتعرف على (سورينة) ربة بيت ريفية محافظة، ضاقت الحياة بها، فطلبت من زوجها أن تعمل في إحدى المصانع في المدينة المجاورة لتساعده على تحمل مصروفات البيت المتزايدة. وعندما خرجت من بيتها وتركت قريتها بهرتها أضواء المدينة، وهالها الفارق الكبير بين قريتها الموحلة والمدينة المزدحمة الصاخبة. وفي غمرة سعادتها باكتشاف العالم الجديد أصبحت تقلد العاملات الأخريات في لباسهن ومشيهن وطريقة كلامهن، ثم نسيت نفسها، ونسيت المهمة الأساسية التي من أجلها تركت زوجها وبيتها. ولم يمض وقت طويل حتى كرهت قريتها، وكرهت حياتها السابقة وكل ما يمت إليها بصلة، وأخيرا قررت أن تترك زوجها وتتزوج المدينة.
وفي قصة الكاتبة المميزة زهرة نواوي (هذه طبيعة نينا)[vii] (Tabiat Nina Memang Begitu)، نتعرف على (نينا) (Nina) التي تعمل في أحد مكاتب المحاسبة بكوالالمبور. امرأة ناجحة، مجتهدة، طموحة، استطاعت بلباقتها أن تكسب ثقة رؤسائها في العمل واحترام باقي الموظفين. تأقلمت نينا بسرعة في عملها الجديد، لكن ظلت لديها مشكلة فؤاد، الموظف المستهتر، الذي يعاكسها باستمرار. لم تفلح معاكسات فؤاد ومحاولاته في لفت انتباه نينا نحوه، فعمد إلى مؤامرة دنيئة أثبت فيها تهمة السرقة عليها. ضعفت نينا واستسلمت خوفا من الفضيحة والسجن المؤكد. وأخيرا وجدت قدميها تقودانها إلى فؤاد، وقفت بين يديه تستعطفه وترجو مساعدته لتبرئتها، فوافق بشرط أن تساعده على اختلاس أموال الشركة. وبعد أن سلمت نفسها له، ونفذت عملية الاختلاس، سافر فؤاد بالمال ليتركها تواجه تهمة السرقة والاختلاس وحدها. واستطاع فؤاد أن يحول الفتاة القوية الطموحة التي كانت محل إعجاب كل الموطفين إلى لعبة بين يديه يستغلها كيفما شاء، فكانت على يديه هزيمة المرأة العاملة وضياع حلمها ومستقبلها.
تتناول سلمى محسن في قصة (فصل إضافي)[viii] (Interlude) مشكلة الخيانة الزوجية، وكيف أن خروج المرأة للعمل يجعلها عرضة للانزلاق والانحراف. فالبطلة (يوني) (Yuni) استطاعت أن تثبت وجودها في عالم الصحافة، حيث نالت مقالاتها استحسان رؤسائها وزملائها الصحفيين، وما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه بدون تشجيع زوجها المخلص وتضحياته. وأثناء عملها، تتعرف يوني على الصحفي الناجح الوسيم الأنيق (مهاميرو) (Mahameru)، وتعجب به، وتستسلم له، وتذوب بين يديه في لحظة ضعف، لكنها تفيق في اللحظات الأخيرة وتنقذ شرفها وكرامتها، وتركض نحو بيتها لترتمي بين أحضان زوجها المخلص.
وعلى الرغم من النهاية السعيدة التي جعلت (يوني) تحافظ على كرامتها وتنقذ شرفها من براثن الصحفي الوسيم، وعلى الرغم من أسلوب الإثارة المستخدم في سرد مجريات القصة إلا أن القصة تعزز الصورة السلبية التي رسمها المجتمع الذكوري عن ضعف المرأة وسرعة استسلامها وانهزامها وانكسارها أمام الضغوط والظروف القاسية. والغرابة كل الغرابة أن هذه الصورة القاتمة للمرأة الضعيفة المنهزمة تكررت في كثير من القصص الملايوية النسوية حتى بعد أن حصلت المرأة على حريتها في التعليم والعمل.
لقد واجهت هذه القصص التي تصور هزيمة المرأة المعاصرة نقدا شديدا من مناصري المرأة والمطالبين بحقوقها. وقد أبدت بعض الأديبات الملايويات الاستياء من التصوير المتكرر والمتعمد لضعف المرأة السلبي الذي يلمّح ويشير إلى فشلها في إثبات ذاتها ومواجهة العالم الخارجي. وأنكرن أيضا التركيز على عرض صورة المرأة السيئة، وترك النماذج الناجحة الكثيرة، وعدم إعطائها حقها في التناول القصصي. فالأديبة أنيس صابرين، زعيمة حقوق المرأة، تصرح في كتابها (دور المرأة الحديثة) بأن "المرأة تعيش اليوم مرحلة عصيبة، حيث أصبح دورها الجديد في عصر النهضة الحديثة أصعب وأكثر تعقيدا من طبيعة الحياة التي عاشتها سابقا. فعليها أن تثبت نفسها في كل المجالات... لكنه يبدو من الواضح أن الأديبات والأدباء الماليزيين ما زالوا مصممين على أن يصوروا المرأة الملايوية العصرية إنسانة ضعيفة، تستسلم للظروف، وتضعف أمام الرجل لتكون لعبة سهلة في يديه يتسلى بها كيفما يشاء. لقد حققت المرأة الملايوية أمانيها، وأثبتت وجودها، ونجحت وتفوقت في كثير من المجالات، لذا فإن الاستمرار في تصوير المرأة الملايوية بهذه الصورة السلبية أمر مؤسف ومؤلم للغاية".[ix]
3- الاتجاه الرومانسي والمبالغة في تصوير حالات الحزن والمعاناة:
إن المتتبع للقصص الملايوية النسوية يلاحظ بوضوح جنوح القاصة الملايوية للرومانسية المفرطة، فنرى أن قصصها تمتلئ بالأحاسيس والمشاعر الرومانسية التي تشتمل على عدم الرضا بالحياة، والتشكي من ظروف الحياة، والمبالغة في تهويل المآسي والأحزان. وفي هذا الصدد يقول الناقد الماليزي (أ. م. ثاني) بأن "القاصة الملايوية أثبتت وجودها، وأصبحت تحتل اليوم مكانة مرموقة في عالم الأدب، أهلتها بأن تقف مع الرجل على قدم المساواة سواء في تأليف الشعر أو القصة أو الرواية، لكن السمات الأنثوية، المتمثلة في الرقة الزائدة والإكثار من البكاء والرثاء والترجي والاستعطاف، لا تزال تسيطر على قصصها".[x]
لقد غلب ذلك على قصص جيل الرائدات أمثال زهرة نواوي، وخديجة هاشم، وسارة إسماعيل، وزهرة عريف، وأنيس، ورقية عبد الحميد، وشفيقة أفندي، وستي زينون إسماعيل. لذلك نجد في معظم قصصهن أن المرأة تحتل المساحة الرئيسة فيها، وإن وجد الرجل فهو وجود مساعد. كما أن السمات الأنثوية تتجلى بشكل واضح في طريقة تعاملهن مع الشخصيات، فنراهن في أغلب الأحيان يتعاطفن مع الشخصيات النسائية، وكثيرا ما يكون ذلك على حساب الرجل، فيهاجمنه بعنف وقسوة، ولا يكتفين بإطلاق صفات الشر والأنانية والظلم عليه وإلصاقها فيه فحسب، بل يعمدن إلى تجريده من جميع الصفات الإنسانية.
من جهة أخرى، كان للخلفية الشعرية للقاصة الملايوية أثر كبير في ترسيخ الاتجاه الرومانسي في نتاجها القصصي، فمعظم القاصات الملايويات كن بجانب تأليف القصص يكتبن الشعر، ولهن دوايين شعرية كثيرة. فلا عجب إذن أن تلجأ القاصة الشاعرة في قصصها إلى محاورة العواطف التي تركز على النجوى الداخلية للشخصية لتحديد أبعاد المواقف والحوادث في القصة. فنسمع في قصة "تحت أصوات التكبير"[xi] (Di Bawah Suara Takbir) لسارة رحيم صوت لحن حزين للفتاة (عزة) (Iza) الحزينة اليائسة، فهي لا تزال تعيش ماضيها التعيس، وتسترجع شريط الأحداث المؤلمة المريرة التي مرت بها في حياتها، فلا ينقطع سيل دموعها. وكانت تجد في مناجاة نفسها راحة تخرجها من أزمتها النفسية:
“Lupakan apa yang mengguris hatimu. Bisikku, mari kita bina hidup baru untuk hari depan yang cemerlang, pujukku lagi menenagkan. Bagaimana dapat liza lupakan bang?
"أسلّي نفسي وأقول: انسي كل ما يمكن أن يجرح قلبك. تعالي نبنِ حياة جديدة لمستقبل عظيم!! لكنني أعود وأصرخ: كيف أنساك يا حبيبي!!"
وعلى المنوال نفسه تصور لنا القاصة شفيقة أفندي رومانسية السرحات الأنثوية في قصة "أختي" (Kakak)، حيث تعرض لنا صورة امرأة يائسة ترثي حالها بعد أن تنكر لها الزمان وتحولت من بعد الغنى للفقر، فتجلس واضعة يدها على خدها تسترجع الماضي، وتحكي مآسيها بالدموع والندم:
“Sekarang aku miskin. Siapa hendak? Dulu aku kaya, tidak begini’ Suaranya merintah mengenang nasibnya”. [xii]
"قالت بصوت حزين تندب حظها: الآن أنا فقيرة، لا أحد يتمناني، كنت غنية، ولم يكن هذا حالي".
وتظهر التعابير النسوية بشكل واضح في السير الذاتية للمرأة، فالقاصة في سيرتها الذاتية تكون أصدق في التعبير عن نفسها وهمومها وآلامها ومشكلاتها، وقيل إن أصدق حياة يمكن أن يكتبها إنسان هي ترجمته لحياته الخاصة؛ لأنه أعرف الناس بها. وقد أكثرت القاصات الملايويات من استخدام تقنية اليوميات والرسائل حيث يمتزج صوت المؤلفة بصوت بطلتها عبر ضمير المتكلم aku (أنا)، وبذلك ينطلق صوت المؤلفة حرا ليجسد رغباتها وآلامها ومعاناتها وأحلامها. فعلى سبيل المثال، استخدمت القاصة فاطمة بوسو تقنية الرسائل والمذكرات اليومية في قصة (رسالة من مدينة مندين)[xiii] (Surat dari Minden)، حيث صورت تجاربها الشخصية وهي تخطو أولى خطواتها في الجامعة، فذكرت أهم الصعوبات التي تواجه الطالبات الملايويات في تلك المرحلة لمواصلة دراستهن بسبب الوضع المادي المتردي، كما تحكي لنا نتفا من المواقف المحرجة التي مرت بها أثناء دراستها بلغة شعرية رومانسية هادئة.
لا نستطيع أن ننكر أن القاصة الملايوية مالت للرومانسية كل الميل حتى أصبح من المألوف أن نجد الدموع في قصصها، بل لا نكاد نجد قصة نسوية تخلو من الأحزان، ولا تسيل فيها دمعة. فالقاصة الملايوية وظفت الدمعة للتعبير عن مختلف مشاعرها وأحاسيسها، فهي تدمع عند الألم والحزن والحب والفرح والهجر والقهر، حتى صارت الدمعة صفة ملازمة لمعظم الشخصيات النسائية في القصص الملايوية النسوية. فعلى سبيل المثال، نلمس في قصة (من جذور واحدة)[xiv] (Dari Satu Rumpun) لفاطمة بوسو، دموع امرأة تتعذب من آلام السرطان، وعندما يتركها حبيبها تتضاعف آلامها، وتموت وهي تتقلب بين نارين، نار المرض ونار الحب. وعلى الرغم من كمية الحزن والدموع في هذه القصة، فقد أبدعت القاصة في تصوير موقف موت البطلة الحدادي الحزين.
وتقدم لنا زهرة عريف صورة المرأة الضعيفة التي لا تقدر على الحياة بدون رجل تحبه ويحبها، ففي قصة (المشوار) (Perjalanan)، تضطر الفتاة المعقدة (ميلا) (Mila) إلى السفر خارج البلاد في محاولة للخروج من أزمتها النفسية بسبب قصة حب فاشلة مع رجل تنكر لها بعد أن أعطته كل ما تملك من حب. وأثناء سفرها تتعرف إلى رجل آخر، فتعجب به، وتبحث عنه، وتقترب منه أكثر لتتكرر المأساة نفسها، فتخرج ميلا من أزمة نفسية إلى أخرى. لقد أدركت ميلا أن وجود الرجل في حياتها ضروري، وأنها لا تستطيع أن تستغني عنه، ولا تستطيع أن تعيش بدونه، لقد أدركت أخيرا أنها هي في الحقيقة مصدر كل الأحزان والتعاسة التي تعرضت لها.
إن معظم المتاعب النفسية التي تصورها القاصة الملايوية ليست إلا وليدة الصراع الكامن في نفوس صاحباتها. لذلك يتكرر فصل الدموع والحزن في القصص النسوية الملايوية مع كل فراق تتعرض له بطلاتها، فالبطلة (تيمة) (Timah) في قصة (بطلة بدون بطل) (Heroin Tanpa Hero) لفاطمة بوسو، تكذب على زميلاتها وتدعي وفاة عادل، فلم تكن تقدر على إخبارهن بأنه هجرها وتركها من أجل امرأة أخرى:
“Lepas awak pergi, saya demam dan teruk juga. Habis rambut saya gugur. Lepas itu saya selalu sakit. Saya tidak pernah terima surat awak. Saya rasa biarlah saya mati sahaja’.
"بعد ذهابك، أصابتني الحمى واشتد علي المرض، وبدأ شعري يتساقط، ولازمني المرض بعدك ولم يفارقني. لم يصلني منك أي خطاب، وأصبحت أفضل الموت لأنه أرحم منك".
لقد كانت تيمة تعتقد في بداية حياتها أن المرأة بدون رجل إنسانة ناقصة شاذة غير سوية، وقد كلفها هذا الإحساس كثيرا من الدموع والتحسر والندم. لكنها تمكنت من أن تستعيد قوتها، وتكمل نضالها، وتحقق آمالها بعد أن طردت عادل من حياتها لتصبح (بطلة بدون بطل):
“Aku sudah mengampunkan Adil. Air mata yang mengalir dari kedua belah mataku mencucikan segala-galanya, dan dengan kerelaan yang sungguh pedih, aku lepaskan Adil dalam kenangan”.[xv]
"لقد صفحت عن عادل، قلت ذلك والدموع تسيل من عيني لتغسل كل الماضي. لقد سمحت لعادل أن يغادر وأنا أتألم بذكراه".
تأخذنا فاطمة بوسو في قصة (الوردة التي لم تذبل)[xvi] (Mawar Yang Belum Gugur) إلى دموع من نوع آخر، مصدرها الوهم والشك والقلق. فالفتاة (ماماه) (Mamah) تبكي بتحسر في ليلة زفافها، لم تتمالك نفسها عندما تأخر عريسها، حيث أخذ الشك يلعب بها، والأوهام تحوم حولها، والخوف يتسلل إليها. شعرت بالخوف عليه، ثم شعرب بالخوف منه، استسلمت للهواجس والظنون، وكاد يغمى عليها عندما سمعت في المذياع خبر وفاة جنديين في حادث مروع، وسقطت محبطة، لكنها تمالكت نفسها ووقفت على قدميها عندما رأت عريسها يتقدم نحوها في زيه الأبيض الجميل. ركضت إليه مبتسمة ضاحكة، وكانت في حقيقة الأمر تضحك من نفسها.
لم تكن الدموع عند القاصات الملايويات دليل ضعف مطلق، فهي ليست سلاح الضعيفات اليائسات فحسب، بل هي سلاح الناجحات أيضا، فالدموع متنفس طبيعي لجميع النساء للتعبير عن مشاعرهن وأحاسيسهن وتفريغ همومهن وأحزانهن. فالألم الذي تكثر القاصات من التغني به ووصفه واستعذابه له في حقيقة الأمر واقعه وسحره الخاص في حياة المرأة، وذلك أن حياتها البيولوجية تفرض عليها كثيرا من المتاعب والآلام والتضحيات. ففي قصة "العزيمة" (Tekad) للقاصة أمينة عبد الله، نتعرف على شخصية (إناه) (Inah)، صحفية ذات طموحات عالية، تجتهد في عملها ولا تعرف اليأس ولا تستسلم للضغوط الاجتماعية. لكنها تبكي في كل مرة تُردّ فيها مقالاتها وعليها تصحيحات وتعليقات باللون الأحمر. لكنها رغم بكائها لم تكن تستسلم لليأس، بل كانت تقف مرة أخرى بعد كل عثرة تتعرض لها، وتتعلم من أخطائها، ثم تمسك قلمها وتعاود الكتابة من جديد، حتى نجحت، وذاع صيتها في عالم الصحافة:
“Dia mahu meneruskan perjuangannya untuk hidup. Dia lupa pada pengalaman pahit yang bertubi-tubi dating menggegar azam dan tekadnya”. [xvii]
"أرادت أن تواصل كفاحها في الحياة، ونست تجاربها الفاشلة المتتالية والتي كادت أن تزعزع عزمها وثقتها بنفسها".
لقد أصرت (إناه) على النجاح، وابتلعت مرارة الفشل المتواصل، وتسلحت بالعزيمة والإصرار، واستعانت بدموعها لتبديد اليأس والحزن، فلم تكن تبكي لضعفها وقلة حيلتها، بل كانت تبكي من أجل تحقيق آمالها وبناء مستقبلها.
الخاتمة:
يتضح لنا مما سبق أن المرأة الملايوية تشاطر الرجل الدور الريادي في بناء الأدب الملايوي الحديث، فلم يتوقف نتاجها عند القصة فحسب، بل تجاوز ذلك ليشمل مختلف الفنون الأدبية الشعرية والنثرية. وقد استطاعت القاصة الملايوية أن تعبر بصدق عن رغباتها المكبوتة في عالم اللاشعور، وتسجل أحلامها وآمالها وطموحاتها، وتبوح بآلامها وشكواها، وتصور المظالم والاضطهاد الذي تعاني منه في مجتمع قديم كان لا يقدر المرأة حق قدرها. لقد طرحت القاصة الملايوية هموم المرأة الماليزية وقضاياها الخاصة، فهتفت باسم جميع النساء، ونادت بتحرير المرأة، وطالبت باسترجاع حقوقها، وتطبيق حق المساواة بينها وبين الرجل في العمل والإبداع والتعبير. ومن جهة أخرى، استطاعت القاصة الملايوية أن تغوص في أعماق المجتمع، وتقتحم أسراره، وتلتقط مشكلاته، لتقدم لقرائها رأيها ووجهة نظرها في طريقة إعادة صياغة بناء المجتمع من خلال تجربتها الطويلة وثقافتها الواسعة. ونظرا للجهد العظيم الذي قدمته المرأة للارتقاء بمكانة الأدب الملايوي، فقد استحقت احترام جميع الأدباء الماليزيين وثقة جمهور القراء المتابعين لأعمالها.
لقد استطاعت القاصة الملايوية أن تعيد بناء شخصية المرأة الملايوية، فبعد صور الظلم والاضطهاد والحرمان والمعاناة التي شهدتها المرأة الملايوية في قصص الخمسينيات وحتى السبعينيات، نراها تخرج في الثمانينيات والتسعينيات في صورة حضارية راقية، فصرنا نرى فيها الأمل والحياة والتفاؤل بعد الجهل واليأس والقهر. لقد أصبحت القصص النسوية الحديثة تصور المرأة الملايوية في يومنا الحالي إنسانة ذكية، طموحة، واعية، مجتهدة، عازمة على مواصلة تعليمها ومشاركة الرجل في بناء المجتمع نهضةً وفكرا وعلما وعملا.
لقد تغيرت صورة المرأة الملايوية اليوم، وصارت واقعا ملموسا. وإن كان هذا المقام مقام الشكر والاعتراف بالجميل، فإننا لا بد أن نذكر فضل الأدب، ونشيد بدوره الفعال في رقي المجتمع الماليزي، ونهضته الفكرية والعلمية. وإذا ما ذكرنا فضل الأدب الملايوي، فلا بد أن نذكر أيضا فضل جميع الأدباء الذين صاغوا تاريخه، وسجلوا آثاره، وخطوا سطوره، رجالا ونساء، ونخص جميع القاصات اللاتي ذكرن في هذه الدراسة بالذكر الأوفر.
الهوامش:
__________________________________________________________________________________
[1] الدستور، 30/3/1990، ص10.
[2] Braginsky, V. I., The system of Classical Malay Literature, KITLV, Leiden, 1993, p.36.
[3] Hamid, A. Bakar, ed, Diskosi Sastera, Kesusasteraan Moden, , Jalid2, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1975.
[4] Mana Sikana, Sastera Islam di Malaysia, Penerbitan Sarjana, Kuala Lumpur, 1983, hlm 35.
[5] Ahmad Kamal Abdollah, Hashim Awang, Ramli Isin & Sahlan Mohd Saman, Kesusteraan Bandingan dalam Perbincangan, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1992, hlm 142.
[6] Othman Putih, Cerpin Melayu Selepas Perang Dunia Kedua: Satu Analisa Tentang Pemikiran dan Struktur, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1983, hlm 4.
[7] Ismail Hussein, Sastera Islam, Dewan Sastera, Kuala Lumpur, 1978, hlm 6
[8] See: Hashim Awang, Cerpin-cerpin Melayu Sebelum Perang Dunia Kedua: Satu Analisa Tentang Tema dan Struktur,Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1984.
[9] حمود ، ماجدة، الخطاب القصصي النسوي، نماذج من سورية، دار الفكر المعاصر، بيروت، 2002م، ص50.
[10] Li Chan Siu, Ikhtisar Sejarah dan Kesusasteraan Melayu Moden 1945-1965, Penerbitan Pustaka Antara, Kuala Lumpur, 1967, hlm. 155.
[11] Othman Putih, Cerpin Melayu Selepas Perang Dunia Kedua, hlm 703.
[12] Ahmad Kamal Abdullah, Siti asiah Murad, Mustika Diri: Bunga Rampai Karya Penulis Wanita 1930-1990, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1994, hlm 673-674.
[13] Ibid, hlm 679.
[14] Othman Putih, Cerpin Melayu Selepas Perang Dunia Kedua, hlm 707.
[15] A. Bakar Hamid, Seguluk Air “Kata Pengantar”, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1974.
[16] Ahmad Kamal Abdullah, Siti asiah Murad, Mustika Diri: Bunga Rampai Karya Penulis Wanita 1930-1990, hlm 675.
[17] Ibid, hlm 680.
[18] Timah Baba, Matanya Masih Di Pintu, Eastern Universities Press, Kuala Lumpur, 1981, hlm 100.
[19] Siti Zainon Ismail, Bunga Putik Putih, hlm.120
[20] Eisentein, Hester, Contemporary Feminist Thought, Unwin Paperbacks, London, 1988.
[21] Siti Zainon Ismail, Dewan Budaya, April 1985.
[22] Adibah Amin, Jelita, Ogos 1976.
[23] Suiati Ghazali, Dewan Sastera, June 1985.
[24] Khadijah Hashim, Dewan Sastera, 1981.
[25] Khadijah Hashim, Mastika, Sept 1975.
[26] Zahrah Nawawi, Dewan Sastera, Jun 1979, hlm 15.
[27] Hapsah Hasan, Wanita, July 1976.
[28] Siti Zainol Ismail, Seri Padma, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1984, hlm 49.
[29] Siti Zainol Ismail, Angin Pulau, Penerbitan Fajar Bakti, Petaling Jaya, 1985.
[30] Zahrah Nawawi, Percikan Bara, Berita Publishing, Kuala Lumpur, 1982, hlm 23.
[31] Timah Baba, jalan Hujung, Dewan Sastera, hlm 17.
[32] Zawiah Mohd. Noh, Hawa, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, hlm 250.
[33] Zahrah Nawawi, Berita Minggu, 27 Feb 1967.
[34] Salma Mohsin, Sebuah Impian, Penerbitan Pena Sdn, Kuala Lumpur, 1979, hlm 235.
[35] Anis Sabirin, Peranan Wanita Baru, hlm 12.
[36] A. M. Thani, Penulis Wanita Dalam Kesusasteraan Melayu, January 1979, hlm 12.
[37] Sarah Rahim, Dewan Sastera, January 1971, hlm 44.
[38] Syafikah Affandi Dewan Sastera, Desember 1971, hlm 25.
[39] Wawancara Salmiah Hassan, Dewan Sastera, January 1979, hlm 32.
[40] Fatimah Busu, Dari Satu Rompon, Dewan Sastera, May 1976, hlm 10.
[41] Fatimah Busu, Heroin Tanpa Hero, Dewan Sastera, March 1976, hlm 52.
[42] Fatimah Busu, Dewan Sastera, March 1976, hlm 51.
[43] Aminah Abdullah, Tekad, Dewan Sastera, November 1975, hlm 50. __________________________________________________________________________________
المصادر والمراجع المراجع العربية: 1. حمود، ماجدة، الخطاب القصصي النسوي: نماذج من سورية، دار الفكر المعاصر، بيروت، 2002م. المراجع الملايوية والإنجليزية:
1. Bakar Hamid, Seguluk Air “Kata Pengantar”, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1974.
2. Ahmad Kamal Abdollah, Hashim Awang, Ramli Isin & Sahlan Mohd Saman, Kesusteraan Bandingan dalam Perbincangan, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1992.
3. Ahmad Kamal Abdullah, Siti asiah Murad, Mustika Diri: Bunga Rampai Karya Penulis Wanita 1930-1990, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1994.
4. Braginsky, V. I., The system of Classical Malay Literature, KITLV, Leiden, 1993.
5. Eisentein, Hester, Contemporary Feminist Thought, Unwin Paperbacks, London, 1988.
6. Hamid, A. Bakar, ed, Diskosi Sastera, Kesusasteraan Moden, , Jalid2, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1975.
7. Hashim Awang, Cerpin-cerpin Melayu Sebelum Perang Dunia Kedua: Satu Analisa Tentang Tema dan Struktur,Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1984.
8. Li Chan Siu, Ikhtisar Sejarah dan Kesusasteraan Melayu Moden 1945-1965, Penerbitan Pustaka Antara, Kuala Lumpur, 1967.
9. Mana Sikana, Sastera Islam di Malaysia, Penerbitan Sarjana, Kuala Lumpur, 1983.
10. Othman Putih, Cerpin Melayu Selepas Perang Dunia Kedua: Satu Analisa Tentang Pemikiran dan Struktur, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1983.
11. Salma Mohsin, Sebuah Impian, Penerbitan Pena Sdn, Kuala Lumpur, 1979.
12. Siti Zainol Ismail, Angin Pulau, Penerbitan Fajar Bakti, Petaling Jaya, 1985.
13. Siti Zainol Ismail, Seri Padma, Dewan Bahasa & Pustaka, Kuala Lumpur, 1984.
14. Timah Baba, Matanya Masih Di Pintu, Eastern Universities Press, Kuala Lumpur, 1981.
15. Zahrah Nawawi, Percikan Bara, Berita Publishing, Kuala Lumpur, 1982.